أصحاب ولا أعز
”perfect strangers“ هكذا جاء عنوان النسخة الإيطالية من الفيلم.. غرباء تمامًا، وقد رأيت هذا الاسم أكثر تعبيرًا عن عمق الفكرة التي تناولها الفيلم، لم أجده مجرد فيلم يتناول قصة سبعة أصدقاء يجتمعون على العشاء في ليلة عاش فيها القمر حالة الخسوف، ويكتشف فيها كل منهم أسرار صديقه أو زوج عن زوجته والعكس جائز.
أصحاب ولا أعز
وبعيدًا كل
البعد عن الجدل الحادث حول النسخة العربية من الفيلم؛ وطريقة تنفيذه المتطابقة بكل
تفاصيلها الإخراجية مع نسخة سابقة أجنبية من الفيلم دون مراعاه لقيم المجتمع
الدينية ومعاييره الأخلاقية؛ إلا أنه يتناول فكرة ملحمية تخص البشر كلهم بصناديقهم
السوداء هواتفهم التي أصبحت تعد محورًا لحياة كل إنسان وحاويًا لكافة أسراره، تظهر
تلك الفكرة جلية أثناء فضح سر كل شخص من المجموعة أمام الجميع عن طريق رنة هاتف أو
إشعار رسالة.
كل شخص من
المجموعة ظهر للبقية وكأنه شخص غريب بعد كشف مجموعة من أسراره، كأنه كان أحد قبل
فضحه وتبدل بآخر بعد معرفة بعض حقائقه، كل منهم مغيّب تمامًا عن الآخر، وكأنهم
بالغعل غرباء تمامًا، وقد قال الناقد السينمائي محمود عبد الشكور في مقاله عن
النسخة الإيطالية من الفيلم: " فيلم يحكي عن شخصيات من لحم ودم، يفضح
أسرارهم، وصندوقهم الأسود، ولكنه يتعاطف أيضًا مع الضعف البشري، ومع الخصوصية، مع
خجلنا مع أنفسنا، ومن الآخر، ويظل دومًا الفضح وفقًا لمنطق الفيلم، مجرد لعبة
استثنائية افتراضية خسر فيها الجميع، أما الصندوق الأسود فسيظل موجودًا راسخًا، إن
لم يكن على جهازك المحمول، ففي أعمق مناطق العقول والقلوب".
بات العالم مليء
بالكثير من الأقنعة المتحركة، يجسد الفيلم مدى بشاعة العالم، أن تصبح غريب في أعين
أصدقائك، أن يصير أصدقائك في لحظة أشخاصًا لا تعرفهم؛ أن تشك في حياتك بأكملها،
كلها معانٍ تناولها الفيلم بمنتهى الوضوح، مثلًا شخصية شريف "إياد نصار"
الذي بدّل هاتفه مع صديقه ربيع لأنه كان يخشى أن تفضح خيانة زوجته له، فيتورط
بتهمة المثلية الجنسية بسبب هاتف ربيع، وبكل سهولة تصدق زوجته أنه كذلك ويصدق صديق
عمره، يصدق الجميع وكأنهم لا يعرفونه منذ سنين، ويصدقون وكأنه تبدّل فجأة لشخص آخر
أثناء وجوده بينهم.. أو كأنهم هم من تبدّلوا!!
يجيب الفيلم
وخصوصًا المشاهد الخاصة بجزء "اللعبة" عن سؤال وجودي بعض الشيء؛ وهو:
ماذا لو فُتحت صناديق الأسرار؟ تخيل لو اكتشف الإنسان أنه مغرّب عن أقرب أقاربه،
أو لو أصبح مجرد من الأسرار أمام أصدقائه، لو اصبحت هواتفنا دون كلمات سر، لو
أصبحت حياتنا دون كلمة سر! لكل منّا أسراره، لكل منّا صندوقه الأسود الحاوِ ندوبه
وسقطاته، لكل منّا دائرته التي يثق بها تمام الثقة، لكن ماذا لو اكتشفت فجأة أن
تلك الدائرة التي قضيت بها عمرك؛ غير قادرة على تقبّل النسخة غير المثالية منك؟!
الفيلم هو نسخة
واقعية تمامًا، يصور النسخة المغطاة من كل إنسان، يتناول النسخة الخجولة، التي
تُخبّيء لأنها لازالت تخشى، يضع المشاهد أمام الكثير من الحقائق المخفية ويدخله
فيها بكل جوارحه، يضعه في حالة من التخيّل الواقعي، وفي النهاية يخرجه لأرض الواقع
كما كان، فقط لينقل له "ماذا لو أصبح صندوقك الأسود بلا غطاء"!