العين و الحسد
مما هو معروف لدى غالب أتباع الشرائع السماوية، وبعض الشرائع الوضعية، أن الكائن الحي بصفة عامة منها الإنسان مكون من جسد و روح، فكلنا نملك أجساد تعمل أعضائها بوظائف متماثلة على اختلاف أشكالها، كما نملك أرواحا تتأرجح صفاتها بين الطيبة و الغل، الخير و الشر و غيرها.
فكما صور الله تعالى هذا الجسد و ما حوله في محيط الإنسان، تتحرك وظائفه بطاقة معينة حسب قانون الفيزياء تحدث أحيانا أعطاب فيه و في ما حوله فجأة، خارج تفسيرات فيزيولوجية أو فيزيائية، و هذا ما يفسر بالطاقة السلبية الناتجة عن الأرواح.
الطاقة السلبية في الإسلام:
كمسلمين هاته الطاقة السلبية التي تطال الإنسان من إنسان من نفسه أو من إنسان آخر دون اللجوء إلى الشعوذة و الاستعانة بالجن و الشركيات، أو الاكتئاب و الغم الذي تجلبه كثرة المعاصي، تسمى أثر العين أو الحسد، فكما قال صلى الله عليه:"العين حق و لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين".
إصابة الإنسان لنفسه أو لشخص آخر بالعين يأتي من أثر الإعجاب، قد يكون محبا لذلك الشخص، لكن عينه تطال ما رآه إذا لم يبرك و يذكر اسم اللهب"ماشاء الله، تبارك الله".
فالعائن قد يكون أي شخص فينا نيته طيبة أم لا، عكس الحاسد، فالحسد هو مقارنة شخص لحياته برمتها أو مجال منها مع شخص آخر، و تمني زوال النعمة عنه فيبقى طول عمره لا يطال السعادة، فهو بعيد كل البعد عن السلام الذاتي و القناعة، كما أنه يهدر حسناته في العبادات و لو كانت صحيحة بسبب جسده لغيره، فكما قال صلى الله عليه وسلم: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
فالعين و الحسد حقيقة مؤثران روحيان، لكن لا بد أن نعرف أن الله سبحانه و تعالى متى ما وضع الداء لزمه الدواء، فيمكن للإنسان بطرق شرعية تجنب إصابة الناس بعينه و حسده.
كيف أتجنب أن أكون عائن أو حاسد:
لتجنب إصابة نفسك و الناس بالعين عليك ذكر الله متى ما استقرت عينك على شيء أعجبك، ثم ازاحتها فورا و الالتفات عنه، و القول باسم الله ما شاء الله و تكرارها، لكي لا تضر الناس، أما تجنب صفة الحسد تكون ببناء رضا داخلي بما لديك، و محاولة تطوير ذاتك، و الإيمان أن للناس في الدنيا حظوظ متساوية أي كان ما يبدو من نعيم ظاهريا عليهم أكيد ستصحبه ابتلاءات، فإن رأيت ما يسرك في رزق غيرك فيمكنك الدعاء له بالبركة والزيادة و أن يرزقك الله مثله أو ما تمنيت.
تجنب الإصابة بالعين و الحسد:
يمكن تجنب الإصابة بالعين و الحسد إذا اتبعنا نظام روحاني صحي و ذكاء اجتماعي يكونان عبر:
- التزام الصلاة في وقتها مع الأذكار والأدعية، أقلها المعوذتين، باسم الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
- كتمان أمورنا الخاصة:
يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: اكتم عن الناس: "ذهبك ومذهبك وذهابك"، أي لا تخبر الناس بمقدار ماتكسبه، و وجهات نظرك حول الحياة و تقلباتها و طموحاتك، و مقاصدك وجهاتك حينما تسلك طريق ما.
المعاملة مع الشخص المعروف بعينه أو حسده:
عليك أن تخبر العائن مباشرة لوحده، ترشده إلى التبريك عندما يرى ما يعجبه من البشر و أننا جميعنا قد نكون عائنون.
أما الحسود فيمكن نصحه بالقناعة للوهلة الأولى ثم الانصراف عنه و إبعاده من دائرتك الاجتماعية، إلى التعامل معه بجلاء أي الاكتفاء بإلقاء سلام ناشف لكي لا تقع القطيعة، فالحسود لا يسود و هو منافس غير شريف و ناصح غير عفيف، فلا فائدة ترجى من اتخاذه صاحبا.
ماذا تصنع إذا أصابتك العين أو الحسد:
- قراءة سورة الفاتحة سبع مرات، المعوذتين و بعض آيات الرقية من العين كمثال و وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا.
- إذا كنت متأكد من الشخص العائن فاطلب منه الوضوء في إناء ثم صب الماء على جسدك.
- متى ما فرغت من الغسل ارفق جرعة من الماء بورق السدر و أفضه على جسمك، أو عوض الورق بالملح و الخل.
الخل و الملح طاردان للطاقة السلبية، فمن المعروف أن الأذى يأتي من النجاسة و يصحبها، فهاته المواد كمطهرات هي طاردة للطاقة السلبية كطرده للجراثيم.
الهوس بالعين و الحسد:
بعض الناس يعيشون في قوقعة وهم، و ينسبون كل شيء للعين، بل و يتطيرون ببعض الأشخاص في أي خلل أصابهم، يكتمون يومياتهم العادية كأنها أسرار عسكرية.
ينفصلون ذلك عن شعور الابتهاج بما حققوه وسط المجتمع، و لا سلم الدرجات التي اعتلوها، و هذا من الخطأ الفادح، فعلى المسلم أن يثق جل الثقة أن الضرر لا يكون إلا بإذن الله تعالى، و أن التحصين بآيات الله تعالى يغنيك عن التخفي من الناس، كما أن صلاة الفجر في وقتها تجعل المسلم في حفظ الله حتى يعود بيته.
و تبقى الوقاية خير من العلاج سواء في الأمراض الجسدية أو الروحانية.