أحمد زكى إمبراطور الفن الشارد

أحمد زكي


هو رفيق الفن الشارد فى الحياة، صاحب الأدوار المتنوعة من البواب للرئيس، أتى من الشرقية إلى القاهرة بحثا عن الدفء والحب، فكان التمثيل له بمثابة صرخة للعالم عما كان يعانى به من الوحدة وضيق الحال، ومرارة اليتم، فالإبداع يولد من رحم المعاناة. 


كان يتيما توفى الأب فى سنة ميلاده، وتزوجت الأم بعد ذلك، وظل متنقلا من بيت لآخر فاقدا حنان الأم واحتواء الأب والدفء الأسرى، وظل ذلك الشعور يطارده حتى قدومه إلى العاصمة، والتحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية ليبدأ في تحقيق أحلامه، وتكوين الأسرة الذى كان يحلم أن تنقذه من بئر الحرمان الذى سقط به. 


▪︎ المشوار الفني للنمر الأسود 


استطاع أحمد زكي بملامحه المصرية البسيطة السمراء أن يغير مفاهيم السينما المصرية فى وقت كانت فيه تعتمد على الرجل الجان صاحب الوجه الوسيم، ولكن موهبته الطاغية هي التى فرضته على الجمهور كنجم أول ونجم شباك مميز. 


على الرغم من بداياته المسرحية فى أدوار بسيطة إلا إنه نال استحسان الجميع بموهبته وعبقريته في الأداء وتقمص الشخصيات، واستطاع أن يخطف الأضواء ويقتحم السينما من أوسع أبوابها، وكانت بداياته فى فيلم أبناء الصمت، وترشح بعدها للبطولة أمام سندريلا الشاشة سعاد حسني إلا أن رفضه المنتج رمسيس نجيب لبطولة فيلم الكرنك، قائلا كيف تحب سعاد هذا الأسود، إنه لا يصلح إلا لدور الجرسون، وهذا أغضب أحمد زكى وقد كان أن ينهى مشواره الفني من بدايته. 


إلا أن رشح بعد ذلك لفيلم شفيقة ومتولي أمام النجمة سعاد حسني، وكانت بمثابة انطلاقه فى عالم السينما، فعرض عليه المخرج الكبير يوسف شاهين بطولة فيلم إسكندرية ليه ثم رشحه المخرج حسام الدين مصطفى لبطولة فيلم الباطنية مع عمالقة الفن حينذاك محمود ياسين، ونادية الجندي، وفريد شوقي، وتوالت معها أدوار البطولة المطلقة ونقش معها اسمه بأحرف من ذهب فى تاريخ السينما كرئيس لجمهورية الفن. 


واستطاع أحمد زكي الدخول لقائمة أهم مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية بستة أفلام بالإضافة إلى العديد من الأفلام التى حققت نجاحات كبيرة على مستوى الجماهير والنقاد، وتصدي من خلالها للعديد من المشاكل الاجتماعية


وجسد فيها العديد من الشخصيات منها عملاق الأدب العربي طه حسين فى مسلسل الأيام الذى كرمه الرئيس الراحل أنور السادات على أدائه المميز به، ولم يكن يعلم إنه سيجسد حياته بهذه العبقرية والإجادة فى فيلم أيام السادات بعد رحيله الذى كان من إنتاجه، وجسد أيضا دور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى فيلم ناصر 56، وكان على وشك تجسيد الرئيس الراحل حسني مبارك كقائد عظيم للقوات الجوية فى حرب أكتوبر المجيدة إلا أن ظل مؤجلا بسبب مرضه، وتصويره لفيلم حليم الذى كان يجسد فيه شخصية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وتوفى الإمبراطور دون أن يستكمله. 


▪︎ هالة فؤاد .. حب العمر للنهاية   


كان يحلم أحمد زكى بالدفء الأسرى، وكانت تتطارده الوحدة، ولا يريد الزواج حتى لا يظلم من يتزوجها معه؛ لأنها ستعاني من حالته المزاجية العصبية نتيجة للآلام التى لحقت به، حتى وجد أمامه من يهز قلبه كمن يهز شجرة دبل فيها كل شيء إلا ظلها مازال حي، وجد أمامه الجميلة الراحلة هالة فؤاد حب عمره الذى توج بالزواج وأنجب منها ابنه الوحيد الراحل هيثم أحمد زكي. 


وسرعان ما انقضت هذه العلاقة فلم تستمر أكثر من سنتين، واشتدت الخلافات بينهم لغيرة أحمد زكي عليها، ورفضه استمرارها فى مجال التمثيل، وتدخل أبيها المستمر فى علاقتهم، الذى قال عنها أحمد زكي: "هالة فؤاد حب عمرى اللي ضيعته من أيدي بسبب عصبيتي، وقلة صبري". 


وظلت هى الحب الأول والأخير فى حياة الإمبراطور أحمد زكي الذى تهرب من الزواج بعدها كثيرا لإرتباط روحه بها، وترددت إشاعات كثيرة بشأن زواجه من إحدى نجوم الفن إلا إنه لم يعرف الحب بعد هالة فؤاد وظلت هى البداية والنهاية. 


▪︎ سبع الليل الذى هزمه السرطان 


وظل أحمد زكي لا يثق فى أحد يتنقل من فندق إلى آخر فاقدا الحياة الأسرية، وظلت الوحدة تتطارده للنهاية، وكان يري أن الطبيب النفسي هو أعز صديق فى زمن عز فيه الأصدقاء، وقال لطبيبه فى يوم من الأيام: "انا مقتلنيش السرطان ولكن قتلنى لوع البشر". 


فظل يتعايش مع وحدته، وأوهب الباقى من عمره للفن ولابنه هيثم الذى توقع أن سيعانى من الوحدة كما عانى منها ،إلى أن أكتشف إصابته بمرض سرطان الرئة، ولكن لم يستسلم للمرض وظل يقاومه، وأصر على تصوير فيلم حليم إلا أنه فى النهاية لم يستطع مقاومة الآم مرضه، ليرحل إمبراطور السينما المصرية فى ٢٧ مارس ٢٠٠٥، ويترك لنا هذا الإرث من الفن الذى وصفه الفنان العالمي عمر الشريف بأنه أعظم فنان فى تاريخ السينما المصرية، وأنه لو كان يجيد اللغة الانجليزية لكانت تتهافت عليه هوليوود.

أحدث أقدم