في مجتمعات النيجر التي تمتاز بتنوعها الثقافي وعمق تقاليدها، يظهر تقليد قديم متوارث من جيل إلى آخر يتمثل في استقبال الزوجة الأولى لضرتها العروس بحفل "مرح". هذا التقليد الذي يعود لعدة قرون، يحمل في طياته أبعادًا اجتماعية وثقافية تهدف إلى بناء علاقات قوية بين الزوجتين وتعزيز التفاهم والوئام داخل العائلة.
حفل الاستقبال: فرصة لبناء علاقة وطيدة
يتوجب على الزوجة الأولى، بحسب العادات المتبعة، استقبال الزوجة الثانية بحفل خاص يطلق عليه "المارتشندا"، وذلك بهدف دمج الضرة الجديدة في العائلة وإظهار قبولها لهذا الزواج. هذه الطقوس لا تتعلق فقط بالضرة الثانية، وإنما تكرر مع كل زوجة جديدة تدخل البيت. وعلى الرغم من أن بعض التوترات قد تظهر خلال هذا الحدث، إلا أن الهدف الرئيسي يظل تعزيز العلاقة بين الزوجتين وإظهار الوحدة بين العائلتين.
تقول عائشة أحمدبا، وهي ربة بيت من النيجر: "الاستقبال لا يعني فقط قبول الزوجة الجديدة، بل هو أيضًا فرصة للزوجة الأولى لإظهار مدى احترامها للعادات والتقاليد. كلما كان استقبالها أفضل، زاد تقدير العائلة لها، وخاصةً من قبل زوجها وأصهارها". يُنظر إلى هذا الاستقبال كواجب أساسي على الزوجة الأولى، وهو في الوقت ذاته دين على الضرة الجديدة وزوجها لمكافأة الزوجة الأولى بحسن المعاملة.
أجواء الحفل: مرح ومنافسة مشروعة
يتميز حفل استقبال الضرة بأجواء مميزة تجمع بين المرح والمبارزة اللفظية، حيث تتبارى السيدات من العائلتين في تبادل الأمثال والحكايات والنصائح حول الحياة الزوجية وتعدد الزوجات. وفي هذا السياق، تقوم النساء الكبيرات في العائلة بإدارة الحفل وتلطيف الأجواء، مع تقديم النصح حول كيفية تقبل الوضع الجديد والتعامل مع التحديات التي قد تنشأ في ظل التعدد.
ورغم أن الحفل قد يشهد بعض التوترات الطفيفة نتيجة المنافسة بين العائلتين، إلا أن هذا التنافس يُنظم بطريقة لا تُحرج أي طرف. فبدلاً من خلق صراعات، يكون التنافس منصبًا حول إظهار الاحترام والدعم المتبادل، حيث يُطلب من الضرة الجديدة أن تُبدي احترامها وتقديرها للزوجة الأولى في أول لقاء بينهما.
التقليد في مواجهة الحداثة
مع مرور الزمن، بدأ تأثير الحداثة يظهر على هذا التقليد، خصوصًا في المدن الكبرى. فالنساء العاملات في المدن أصبحن أكثر استقلالية وأقل تسامحًا مع فكرة تعدد الزوجات. ونتيجة لذلك، قلّت أهمية هذا الحفل لدى الكثيرات، حيث يُنظر إليه على أنه نوع من "المسرحية الاجتماعية" التي قد تفقد معناها في ظل التغيرات الاجتماعية الحديثة.
ومع تزايد تأثير الحياة العصرية، تحول هدف الحفل في بعض الأحيان من تعزيز الألفة والوئام بين الزوجتين إلى محاولة تصفية الحسابات وفرض السيطرة. وبدلاً من أن تكون المبارزة اللفظية طريفة ومرحة، قد تتحول إلى مشاحنات علنية وكلام مبتذل.
على الرغم من التحديات التي تواجهها النساء في المجتمعات الحديثة، إلا أن تقليد استقبال الضرة العروس في النيجر يظل واحدًا من التقاليد التي تحمل في طياتها معاني عميقة حول التسامح والصبر والتضحية. فالزوجة الأولى، بتقبلها للوضع الجديد وترحيبها بالضرة، تضرب أروع الأمثلة في القدرة على التضحية من أجل مصلحة الأسرة، وهو درس يحمل معاني إنسانية وثقافية يمكن أن يستفاد منها حتى في المجتمعات الحديثة.
وفي نهاية المطاف، يبقى هذا التقليد رمزًا للتواصل بين الأجيال، حيث يحرص المجتمع النيجري على الحفاظ على تراثه وتقاليده، مع محاولة التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تفرضها الحداثة.
إرسال تعليق