في ظل العدوان والحصار المستمر على قطاع غزة، يتجلى الإبداع الفلسطيني في أبسط الأمور الحياتية. من بين تلك الإبداعات، برزت قصة الطفلة الفلسطينية هبة دواس البالغة من العمر 12 عامًا، التي فقدت حذاءها خلال إحدى عمليات النزوح التي صاحبت العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. في هذه الظروف القاسية، قام والدها، صابر دواس، وهو نجار من مدينة خان يونس، بابتكار حل غير تقليدي للحفاظ على سلامتها في التنقل، من خلال صنع صندل خشبي يشبه القبقاب، يتيح لها السير بأمان فوق أنقاض الدمار والرمال الساخنة في القطاع المحاصر.
خلفية القصة
أثناء النزوح بسبب الغارات الجوية على غزة، اضطرت هبة وعائلتها إلى الهروب من منازلهم بحثًا عن الأمان. وفي الفوضى التي صاحبت الفرار، تمزق صندل هبة القديم ولم يعد صالحًا للاستخدام. تقول هبة: "كان عندنا صنادل، لكنها كانت ممزقة كثيرًا، وعندما كنا نهرب، تمزق الصندل تمامًا. فاضطررت إلى السير حافية القدمين حتى احترقت قدماي بسبب حرارة الأرض والرمال."
عندما عادوا إلى المخيم حيث يقيمون الآن، قرر والدها صابر دواس أن يتدخل ويجد حلاً عمليًا وسريعًا. استخدم الأدوات المتوفرة لديه في ورشة النجارة الخاصة به، وقام بتصميم صندل خشبي ليحمي قدمي ابنته من حرارة الأرض والشظايا المتناثرة في كل مكان.
الإبداع في ظل الحصار
الفكرة التي جاء بها صابر لم تكن مجرد حل لمشكلة ابنته فقط، بل تحولت سريعًا إلى مشروع يخدم العديد من الأطفال في المخيم. فقد لاحظ الجيران والأصدقاء الصنادل الخشبية التي صنعها صابر، وبدأوا يطلبون منه صنعها لأطفالهم أيضًا. ومع استمرار العدوان وارتفاع أسعار الأحذية المستوردة بشكل غير معقول نتيجة الحصار، أصبح هذا الحل الخشبي بديلاً عمليًا واقتصاديًا لأهالي غزة.
يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية والمواد المتاحة لصنع هذه الصنادل، التي تتكون من نعال خشبية وأحزمة مصنوعة من شريط مطاطي أو قماش قديم. ومع ذلك، كان التحدي الأكبر الذي واجهه هو نقص الموارد، خاصة الخشب، الذي يعد مادة نادرة في القطاع المحاصر بسبب القيود المفروضة على الاستيراد، حيث يستخدم الفلسطينيون الخشب في العديد من الأغراض الأساسية مثل الطهي وإشعال النار.
الحاجة تُلهم الإبداع
بالرغم من أن الصنادل الخشبية التي يصنعها صابر قد تبدو بسيطة للغاية، إلا أنها تمثل رمزًا للقدرة على التكيف مع الظروف القاسية في غزة. يقول صابر وهو يعمل على تنعيم قاعدة أحد الصنادل: "كل شيء في غزة بصعوبة نحصل عليه." ومع ذلك، فإن الإبداع في مواجهة الشدائد لا يزال حاضرًا بقوة في هذه المنطقة.
هذه الصنادل ليست مجرد أحذية بديلة، بل تعكس القدرة على الصمود في وجه التحديات اليومية التي يفرضها الحصار المستمر والعدوان المتكرر. فقد أصبحت هذه المبادرة الصغيرة مصدر إلهام للكثير من الفلسطينيين الذين يبحثون عن حلول مبتكرة لتلبية احتياجاتهم الأساسية وسط الأزمات المتعاقبة.
التأثير النفسي والاجتماعي
بالإضافة إلى توفير حل عملي للأطفال، كان لصنع هذه الصنادل تأثير نفسي إيجابي على العائلات، حيث أعادت لهم بعض الإحساس بالكرامة والقدرة على التحكم في ظروفهم. فبدلاً من الاعتماد على المساعدات الخارجية التي قد لا تصل في الوقت المناسب، تمكنت الأسر من حل جزء من مشاكلها بموارد محلية وبمساعدة أفراد المجتمع.
في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، يعد إبداع صابر دواس وصناعته للصنادل الخشبية مثالاً حيًا على التكيف والإبداع في مواجهة التحديات. فبالرغم من نقص الموارد والحصار المفروض على القطاع، يبقى الأمل في روح الابتكار الفلسطينية. الصنادل الخشبية التي صنعها صابر لأطفاله ولأطفال جيرانه ليست مجرد أحذية، بل هي رمز للصمود والتحدي في وجه الصعاب. هذا النوع من الإبداع البسيط والموجه نحو تلبية الاحتياجات اليومية يعكس الإرادة القوية لشعب يسعى للعيش بكرامة حتى في أصعب الظروف.
إرسال تعليق