لم تتوقع عائلة بريطانية أن يكون خلل بسيط في ترتيب أدوات المطبخ سببًا في اكتشاف مرض نادر يصيب المخ لدى الأم. تبدأ القصة عندما لاحظت “كريستي أدلر”، ابنة السيدة البريطانية “سوزان” البالغة من العمر 63 عامًا، سلوكًا غير عادي من والدتها أثناء فراغها من غسالة الأطباق؛ فقد وضعت الأطباق في أماكن غير معتادة وخلطت الملاعق الصغيرة مع الكبيرة والشوكات مع بعضها بشكل عشوائي.
كريستي، التي تعرف طبيعة والدتها المهووسة بالنظام والترتيب بسبب إصابتها باضطراب الوسواس القهري، شعرت بوجود مشكلة غير طبيعية. فقد كان من المعتاد أن تكون والدتها دقيقة بشكل مبالغ فيه، ولا تتحمل أي خلل في الترتيب، لكنها فوجئت بوالدتها تقول بحدة: “لقد سئمت من القلق الشديد بشأن كل شيء. لم أعد أهتم”. ردة الفعل غير المعتادة والتغير الكبير في سلوك الأم دفع الابنة إلى حجز موعد مع الطبيب لإجراء فحص شامل.
الاختبارات الإدراكية.. بداية الاكتشاف
خلال زيارة الطبيب، طُلب من “سوزان” إجراء بعض الاختبارات الإدراكية، مثل العد التنازلي من 100 بفترات زمنية مدتها سبع ثوان، ورسم ساعة. هنا، بدأت الأمور تزداد غرابة، إذ فشلت الأم التي كانت موهوبة في الرسم والتلوين في رسم دائرة صحيحة، بل وطرحت أسئلة غير منطقية، مما زاد من قلق الأسرة ودفعهم للبحث عن رأي طبي أكثر تخصصًا.
تشخيص صادم: مرض الزهايمر المبكر
بعد إجراء الفحص الأولي، تم عرض “سوزان” على طبيب أعصاب مختص، الذي قام بإجراء فحص للدماغ. كانت النتائج صادمة، حيث أظهرت الفحوصات أن عقلها يشبه عقل امرأة في الثمانينات من عمرها، رغم أنها لم تتجاوز الستين. كانت النتيجة الأولى للتشخيص تشير إلى إصابتها بمرض الزهايمر المبكر، الذي يصيب الأشخاص قبل سن الخامسة والستين.
اكتشاف الحالة النادرة: ضمور القشرة المخية الخلفية
غير أن القصة لم تنتهِ هنا؛ فقد قررت كريستي البحث عن رأي ثانٍ وتأكدت بعد زيارة عدة أطباء أن والدتها تعاني من شكل نادر من الأمراض العصبية، يُعرف باسم “ضمور القشرة المخية الخلفية”. وبعد أربعة أشهر من التشخيص الأول، عرضت كريستي والدتها على طبيب مختص في مركز الدماغ والعقل بجامعة سيدني، الذي أكد أن حالتها هي بالفعل ضمور القشرة المخية الخلفية.
ما هو ضمور القشرة المخية الخلفية؟
ضمور القشرة المخية الخلفية هو مرض نادر يختلف عن الزهايمر التقليدي، حيث يتسبب في تآكل خلايا الدماغ في الجزء الخلفي، مما يؤدي إلى تراجع القدرة على تنظيم المعلومات البصرية والمكانية وتدهور في القدرات الإدراكية بشكل عام. ويؤثر هذا المرض على المهارات الحركية والتنسيقية، وقد يؤدي إلى فقدان القدرة على القيام بالمهام اليومية الاعتيادية.
الأثر النفسي والاجتماعي على العائلة
يمثل هذا التشخيص تحديًا كبيرًا للأسرة، حيث كانت الأم، سوزان، تُعرف بموهبتها الفنية وحبها للرسم، وكانت حياتها مفعمة بالنشاط والإبداع. رؤية هذا التدهور السريع والمؤلم على يد مرض نادر، جعلت العائلة تواجه مشاعر مختلطة من الحزن والعجز. كانت كريستي، الابنة، تشعر بصدمة عميقة لرؤية والدتها التي لطالما كانت مصدر إلهامها، تكافح للقيام بأبسط الأمور.
تُعد هذه القصة تذكيرًا مؤلمًا بمدى هشاشة الحياة وقوة الأمراض العصبية التي قد تصيب الأشخاص بشكل غير متوقع. كما تسلط الضوء على ضرورة الانتباه لأبسط التغيرات السلوكية التي قد تكون مؤشرًا على مشكلات صحية خطيرة. ويأمل الأطباء أن تزداد الأبحاث حول مثل هذه الحالات النادرة لإيجاد طرق جديدة للتشخيص المبكر والعلاج، حتى يتمكن الأشخاص المصابون وأسرهم من التكيف مع هذا التحدي الصعب.
إرسال تعليق