رضا خضر خباز بسيط من تونس، ذهب إلى مدينة الأحلام باريس، ليفتح مخبزا هناك، ومنه إلى الإليزيه فما القصة؟
حتى في حال الحرب يعمل الخباز دائماً"... كانت هذه الكلمات التي زرعتها والدته في قلبه مصدر إلهام دفعه إلى ملاحقة حلمه بثبات، فمن هذه المقولة البسيطة انطلقت قصة نجاحه ليتحول الخبز بالنسبة إليه من مهنة إلى رسالة.
في ضواحي مدينة سوسة، حيث تمتد أشجار الزيتون على مساحات شاسعة، ولد رضا خضر آخر طفل في عائلة مكونة من 11 أخاً وأختاً، ونشأ في مزرعة عائلية حيث كانت الأرض تعانق السماء، لكنه لم يشعر يوماً بتلك الصلة العميقة بالأرض التي كانت تسيطر على أفراد عائلته، بل كان يحلم بمستقبل مختلف بعيداً من الحقول.
في سن الـ15 حين شعر بأن آفاق حياته في سوسة ضاقت ولم تعُد تواكب أحلامه الكبيرة، اتخذ رضا قراراً جريئاً بمغادرة تونس والتوجه إلى فرنسا بحثاً عن مستقبل مختلف. لم يكُن يدرك آنذاك أن هذه الخطوة التي بدت مخاطرة كبيرة ستشكل بداية فصل جديد في حياته.
نحو باريس
مع ساعات الفجر الأولى وبين أزقة الدائرة الـ14 في باريس، ينبعث دفء وروائح الخبز الطازج من مخبز صغير يحمل اسم "أو برادي دي غورمان". خلف هذه الأبواب يقف رضا خضر الرجل الذي صنع من عجينة بسيطة قصة نجاح استثنائية في عالم الخبز الحرفي. إبداعه الذي تخطى حدود الحي جعل منه اسماً مرموقاً يصل بخبزه إلى قصر الإليزيه ذاته.
ولم يكُن هذا النجاح وليد الصدفة، بل كانت البداية أكثر تواضعاً بكثير. ففي مخبز شقيقه، بدأ رضا أولى خطواته في عالم المخابز، حيث لم تكن المهنة بالنسبة إليه أكثر من وسيلة لكسب العيش. شيئاً فشيئاً تحولت هذه الوظيفة إلى شغف يجري في عروقه، وأصبحت العجينة بين يديه أكثر من مجرد مكونات، بل لغة يعبر بها عن إبداعه.
والطريق إلى النجاح لم يكُن مفروشاً بالورود، وفي البداية قضى رضا ساعات طويلة في المخبز متنقلاً بين مهمات مرهقة وأحلام كبيرة. يقول عن تلك المرحلة، "كنت أتعلم وأخطئ ولكني لم أتوقف عن التجربة". وكان عليه أن يفهم أسرار المهنة من اختيار المكونات إلى ضبط عملية التخمير، وهي تفاصيل قد تبدو صغيرة لكنها تصنع الفارق الكبير.
لم تذهب جهوده سدى، فعام 2013 جاءت اللحظة التي غيرت مجرى حياته بالكامل بفوزه بالجائزة الأولى في مسابقة أفضل صانع "باغيت" في باريس، فأصبح رضا خضر حديث العاصمة، ولم تكُن الجائزة مجرد تكريم لإنجازه بل فتحت له أبواب الشهرة، إذ أصبحت منتجاته مطلوبة في أرقى الأماكن، بما في ذلك قصر الإليزيه وماتينيون. عن هذه اللحظة يقول رضا، "كانت الجائزة اعترافاً بأعوام من التفاني، لكنها كانت أيضاً بداية مسؤولية جديدة للحفاظ على الجودة التي أوصلتني إلى هنا".
ما الذي يجعل خبزه مختلفاً؟. يجيب رضا بابتسامة، "وصفتي ليست مجرد مزيج من الدقيق والماء. إنها نتيجة أعوام من البحث والتجربة، وأساسها التخمير الطبيعي". وهذا الاهتمام بالتفاصيل هو ما جعله يبرز في عالم تنافسي، لكنه يؤكد أيضاً أن النجاح لم يكُن سهلاً، فـ"التفاني في العمل والشغف بما أقدمه هما سر نجاحي. كنت أبحث دائماً عن طريقة لتحسين وصفتي حتى أصبح خبزي علامة فارقة في عالم المخابز".
إرسال تعليق