يمثل الجدل حول اعتبار الرياضة الإلكترونية رياضة حقيقية موضوعًا متكررًا في الأوساط الأكاديمية والرياضية، خاصة مع ما تشهده هذه الظاهرة من انتشار واسع واهتمام متزايد عالميًا، فبينما يرتبط مفهوم الرياضة تقليديًا بالنشاط البدني المباشر مثل الجري أو القفز، فإن الرياضة الإلكترونية تطرح نموذجًا جديدًا يعتمد على المهارات الذهنية العالية والتفاعل التكنولوجي المتقدم، ما يدفع البعض للتساؤل حول مدى أهليتها لأن تُدرج تحت تصنيف "الرياضة".
يذهب المنتقدون إلى أن الجلوس أمام شاشة وممارسة ألعاب الفيديو لا يرقى إلى ما يمكن تسميته "جهدًا رياضيًا"، نظرًا لغياب النشاط الجسدي الواضح.
ومع ذلك، أظهرت الدراسات أن اللاعبين المحترفين في الرياضات الإلكترونية يعانون من ارتفاع ملحوظ في معدلات ضربات القلب خلال المنافسات، فضلًا عن مؤشرات تؤكد وجود نشاط أيضي وجسدي معتدل نتيجة التركيز والانفعالات الذهنية العالية، هذا النوع من المجهود، وإن لم يكن عضليًا بالشكل التقليدي، إلا أنه يمثل تحديًا بدنيًا وعقليًا يستدعي التدريب والانضباط.
من الناحية المؤسسية، بدأت العديد من الدول والمنظمات الرياضية الاعتراف بالرياضة الإلكترونية ككيان رياضي مستقل، مثلما حدث في الولايات المتحدة التي منحت تأشيرات "P-1" للاعبي الرياضة الإلكترونية باعتبارهم رياضيين محترفين، وكذلك في كوريا الجنوبية التي أدرجتها ضمن أنشطة اللجنة الأولمبية الكورية.
وعلى مستوى التنظيم، فإن الرياضات الإلكترونية تتمتع بهياكل احترافية واضحة تشمل دوريات دولية، لوائح تنظيمية، لجان تحكيم، ومدربين متخصصين، فضلًا عن وجود معسكرات تدريبية، وجماهير تتابع بشغف لا يقل عن جماهير الرياضات التقليدية.
أما من الناحية التعريفية، فإن قاموس أكسفورد يُعرف الرياضة بأنها "نشاط يتطلب جهدًا بدنيًا ومهارة، ويتنافس فيه الأفراد أو الفرق بغرض الترفيه أو التحدي"، وعند النظر إلى الرياضة الإلكترونية من هذا المنظور، يتبين أنها تتطلب مهارات معقدة مثل سرعة رد الفعل والتنسيق الحركي الدقيق والتفكير الاستراتيجي، والعمل الجماعي، وهي أمور لا تقل أهمية عن الجهد البدني، بل إن الوصول إلى مستويات احترافية في هذه الرياضة يتطلب سنوات من التدريب المكثف، تمامًا كما هو الحال في باقي الرياضات المعترف بها عالميًا.
ومن بين الجوانب المميزة في الرياضة الإلكترونية، هو قدرتها على تجاوز الفروقات الجسدية بين الجنسين، حيث يمكن للرجال والنساء التنافس على قدم المساواة، ما يعزز من فرص تمكين المرأة في المشهد الرياضي، كما أن هذه الرياضة تشكل بيئة شاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يتمكن العديد منهم من المشاركة والتألق في منافسات دولية.
رغم كل هذه المؤشرات التي تدعم اعتبار الرياضة الإلكترونية رياضة حقيقية، إلا أن بعض الأوساط التقليدية لا تزال تتحفظ على هذا التصنيف، مدفوعة برؤية نمطية تحصر الرياضة في الأبعاد البدنية فقط.
ولذلك، يبقى التحدي الأكبر ليس في إثبات وجود الرياضة الإلكترونية كواقع، بل في تغيير الصورة الذهنية السائدة عنها، وتعزيز وعي المجتمعات بأبعادها التنافسية والمهنية والثقافية.
وعليه، فإن الرياضة الإلكترونية، وإن اختلفت في طبيعتها عن الرياضات التقليدية، إلا أنها تُجسد نموذجًا رياضيًا جديدًا يتناسب مع التحولات الرقمية لعصرنا الحديث، وتستحق أن تُعامل بالجدية والاحترام الذي تناله الرياضات الألكترونية.
إرسال تعليق