على مدى ما يقارب التسع سنوات، ومنذ إنطلاقه في عالم الأدب بمجموعته القصصية الأولى "أول عباس" نجح الروائي أحمد القرملاوي في شق ممر أدبي مميز خاص به ونقش حروف اسمه على جدار الوسط الأدبي بعمق، ومع تباين أعماله على مدار سنواته الأدبية، نبض قلم القرملاوي برواية الأجيال التي شبّهها كل من قرأها برائعة أديب نوبل "حديث الصباح والمساء"، وباتت ورثة آل الشيخ هي عمل القرملاوي ذو المزية والأوسمة، وأكثر أعماله شهرة وتداولًا خاصةً بين رواد الوسط الأدبي وشغوفيّ القراءة؛ حتى وصلت به رائعته إلى جائزة كتارا للرواية العربية والتي حصدها في أكتوبر العام الجاري 2021م.
ورثة آل الشيخ..
• روايات الأجيال تعتبر فنًا أدبيًا نادرًا؛ نظرًا لكونه معقدًا بعض الشيء.. فما الخطوة التي دفعتك للبدء بمثل هذا النوع من الأدب؟
الفكرة هي ما جذبتني وراءها لهذا النوع من الروايات، فقد انشغلتُ طويلًا بفكرة الأسطورة العائلية ومدى تأثيرها واستمراريتها من جيل لجيل، برغم تبدل الزمن وتطور التعليم وطرائق التفكير، وحين بدأتُ في تأمل هذه الظاهرة في نطاق عائلتي وبحثتُ في تاريخ أجيالها وحكايات أبطالها، سحبني تيار الزمن ولم يعُد أمامي إلا التعبير عن هذه الفكرة عبر رواية أجيال.
• كيف كانت أجواء تكوّن شخصيات "ورثة آل الشيخ" ونضوجها؟
استوحيتُ عددًا من الشخصيات من حكايات الأجداد، وأضفتُ إليها الكثير وحذفتُ منها الأكثر، فمع طول الفترة الزمنية تندثر الحكايات، ولا يبقى منها سوى قصاصات صغيرة لا تصنع حيوات كاملة الملامح، لذا فقد توارى الواقع المحكيُّ شيئًا فشيئًا أثناء الكتابة مفسِحًا المجال للخيال كي يسيطر على بناء الشخصيات، حتى صارت الرواية خيالًا محضًا ليس فيه من الواقع إلا الأسطورة الخرافية التي بدأتُ منها.
• هل فكرت في الخوض بالجزء الثاني من "ورثة آل الشيخ" خاصة بعد ما لقته من انتشار واسع؟
لو كان ثمة جزءٌ ثانٍ لـ "ورثة آل الشيخ" لكنتُ قد كتبتُها بطريقة مغايرة، فالرواية تحتمل الكثير من الإسهاب لو أردتُ ذلك. التحدي الذي أردتُ خوضَه هو أن أكتب رواية أجيال كاملة المعالم في كتاب متوسط الحجم، وألا أجعلها في أكثر من جزء؛ هذا ما أراه أكثر تناسبًا مع واقعنا المعاصر وهذا هو الشكل الذي أردتُ اختباره عبر هذه التجربة، لذا لا أخطط لأن يكون لها جزء ثانٍ بصرف النظر عن مدى انتشارها أو فوزها بجائزة.
فن القصة القصيرة..
• ما الذي دفعك للعودة للقصة القصيرة بـ "قميص لتغليف الهدايا"؟
ليست عودة بالمعنى التام، فلم أبتعد عن كتابة القصص القصيرة طوال هذه المدة، بل إنني نشرتُ عددًا من القصص خلال السنوات الماضية في بعض الصحف والمجلات، فعادةً ما تخطر لي أفكار تناسب الكتابة القصصية لا الروائية فأُسجلها في أجندة خاصة حتى أعود إليها لاحقًا، وحالما أبدأ في كتابة قصة قصيرة أجدها تجرني لقصص أخرى. أما قرار نشر هذه القصص في مجموعة جديدة فله اعتبارات مختلفة، منها حماس الناشر واستقبال القراء.
• تتباين آراء النقاد حول القصة القصيرة؛ فمنهم من يراها فن سهل ومنهم من يراها فن محكم البناء.. فكيف ترى القصة القصيرة من وجهة نظرك؟
في الحقيقة، أختلف مع الرؤيتين، فلا القصة فن سهل، ولا هي رواية مصغرة. القصة فن صعب في كتابته وفي تلقّيه، يحتاج لكاتب قادر على تكثيف الحالة في صفحات قليلة، على تصوير شخصياتها وحبكتها والرؤية التي تعكسها عن الحياة، كل ذلك في غضون صفحات. لذلك لا يمكن التعامل معها على أنها رواية مصغرة، لكونها تنقل لحظة مكثفة على مستوى الزمن والحدث والشخصيات؛ إنها فن سردي مستقل تمامًا.
• على مدى ما يقارب الـ 9 سنوات في الوسط الأدبي.. كيف تأثرت حياة القرملاوي الشخصية بحياته الأدبية؟
تأثرت بكل ما طرأ عليها من متغيرات؛ مسؤوليات، التزامات، صداقات، نجاحات، أحلام وطموحات وتحديات، لك من هذه المتغيرات ظلال تُلقى على الحياة الشخصية للكاتب، تكون إيجابية حين يُحسن التعامل معها، والعكس صحيح.
• هل يفكر القرملاوي في تجربة كتب الخواطر المجمعة؟
لا أعرف بوجود قالب إبداعيّ يُسمى "الخواطر"؛ أتصوَّر أن ما يُمسيه البعض "خواطر أدبية"، هي محاولات أولى لتخليق العبارات والتعبير عبر الكتابة، تكون في أغلبها قِطَعًا سردية ذات لغة شعرية بسيطة، ولا أتصوَّر أني سأرغب يومًا في كتابة نص من هذا النوع.
• أي نوع من الأدب يُفضل القرملاوي قراءته؟
أفضل الأدب الجاد الذي يتناول الحياة الإنسانية عبر رؤية عميقة تسهم في اكتشافي الحياة من زاوية جديدة، على أن يُقدِّم تلك الرؤية في قالب ممتع محكَم البناء. أما الأدب الذي يهدف فقط للتشويق أو الإثارة أو التسلية، فلا يقدِّم لي جرعة المتعة الكاملة التي أبحث عنها أثناء القراءة.
• بالنسبة لك، ما هو الوقت المثالي للقراءة؟
الوقت الأكثر هدوءًا سواء على مستوى الضوضاء الخارجية أو الداخلية، فأنا لا أُجيد التركيز في الأماكن العامة، ولا بداخل البيت حين يكون أبنائي مستيقظين، لذا أفضل القراءة أثناء الليل بعد نومهم، أو في فترات الانتظار في عيادة طبيب أو في انتظار موعد؛ تلك أوقاتي المفضلة للقراءة.
• يُقال إنه من الأفضل تخصيص وقت محدد للكتابة.. هل يُخصص القرملاوي وقتًا محددًا لإخراج نتاج أدبي؟
نعم، في أغلب الأحيان، أحاول الحفاظ على روتين يومي للكتابة والقراءة أثناء الليل حين تهدأ الأجواء بداخل البيت، أو في الصباح الباكر لو تسنى لي ذلك.
فقدان شغف الكتابة
• يتعرّض معظم متمرسيّ الكتابة من وقت لآخر لحالة من فقدان شغف الكتابة.. هل تصاب بمثل تلك الحالة على فترات متباعدة؟
في الواقع لا؛ بل إنني ينتابني الاكتئاب حين تمنعني الظروف عن الجلوس للكتابة بانتظام، فلا أمارس الكتابة الإبداعية فقط، بل إنني شغوف بكتابة المقالات النقدية والفكرية وكذلك الشعر، ما يمنحني التنوع الذي يساعد على الحفاظ على شغف الكتابة.
• ما الذي تقترحه للتخلص من حالة فقدان الشغف تجاه الكتابة؟
لم أختبر بعد حالة فقدان الشغف بالكتابة التي يصفها بعض الكتّاب، غير أن العلاج الذي أتصوره ممكنًا هو المزيد من قراءة النصوص الجيدة التي تستفز الرغبة في الحكي وتحرض التفكير في خلق العوالم الخيالية في عقل الكاتب.
• يُلاحَظ أنك من الأدباء المتفاعلين داخل الوسط أثناء المناقشات والندوات الأدبية.. كيف تجد عائدها المعنوي على حاضريها ومنظميها؟
أحب التفاعل مع الأوساط الأدبية ومجموعات القراء، حيث أجد نفسي في هذه التجمعات حيث تُناقش الأعمال الإبداعية وتُطرح فيها قضايا الكتابة، ودائمًا ما أجد إضافة ما تفتح لي بابًا جديدًا للتعرف على الأدب؛ كتاب جديد، كاتب لم أقرأ له من قبل، ناقد مهم، مقال، وهكذا. أما العائد المعنوي فكبير بالطبع، خاصة في هذه الفترة الأخيرة حيث صرتُ أجد اتفاءً أكبر بتواجدي في تلك اللقاءات ذات الطابع الأدبي.
الفوز بجائزة كتارا
• كيف كانت أجواء احتفال أصدقائك من داخل الوسط الأدبي بعد فوزك بجائزة كتارا للرواية العربية؟
تعددت الاحتفالات وغمرني القراء والأصدقاء بتهانيهم وحفاوتهم، منهم أصدقاء مقربون حرصوا على الإسراع بالاحتفاء بي في ذات اليوم، وكذلك الدار المصرية اللبنانية التي نظمت احتفالية أنيقة بهذه المناسبة، وأكثر من مركز ثقافي ومكتبة كبيرة حرصت على دعوتي وتهنئتي؛ إنها أيام مميزة بكل تأكيد.
امتهان الكتابة لأسباب مادية فقط
• ما رأيك في توجه الكثير من جيل الكتاب الشباب إلى امتهان الكتابة لأسباب مادية فقط دون الالتفات إلى مستوى النتاج الأدبي الخاص بهم؟
الكتابة ليست وسيلة للكسب المادي على الإطلاق، خاصة في أوطاننا حيث لا تُراعى حقوق الملكية الفكرية بدرجة كبيرة، لذا من المستغرَب أن يتم التعامل مع الكتابة كوسيلة للكسب المادي؛ لو سنحَت مثل هذه الفرصة فأهلًا بها، غير أنه أمر مستبعد حقيقة الأمر، وما يحدث فعلًا أن البعض يعتبرها وسيلة للشهرة والتحقق الأدبي، ما لن يتحقق وتتم المحافظة عليه إلا بالاهتمام بالنتاج الأدبي وقيمته.