كتبت: سماح فكري
كانت قصة حياتها لغز حير العلماء ولم يجدوا له تفسير حتى الأن، فهل ما عاشته هو فعلا تناسخ أرواح؟!، رغم رفض كل الأديان لتلك الفكرة، أم أنها عاشت في عالم موازي لعالمنا ثم عادت لنا مرة أخرى؟!، لغزنا اليوم عن عالمة الأثار الأيرلندية / دورثي لويز أيدي.
مولدها:-
ولدت دورثي لويز أيدي أو كما عُرفت بأسم (أوم سيتي)، في 16 يناير عام 1904 في بلاك هيث، شرق غرينتش – لندن، لوالدين أيرلنديين هما، روبن إرنست إيدي ، وكارولين ماري (فروست) إيدي، وكانت عائلتها تنتمي للطبقة المتوسطة حيث كان يعمل والدها خياط رئيسي في العصر الإدواردي.
بداية القصة:-
بدأت القصة أثر سقوطها من على الدرج وهي في الثالثة من عمرها وأعلان الطبيب وفاتها للجميع، ولكن، حين دخلوا لتجهيزها للدفن بعد ساعة من وفاتها، وجدوها جالسه على السرير تلعب وكأن شئ لم يكن، وحينها بدأت دورثي تتكلم بلغة غريبة وغير مفهومة (اللغة الهيروغليفيه) وقد أرجعت ذلك إلى إصابتها بـ متلازمة اللكنة الأجنبيه أثر سقوطها، ثم بدأت تحلم كل ليلة بمبنى ضخم ذو أعمدة عالية، ثم تستيقظ باكية تطلب من والديها أخذها للمنزل، وحين يسألونها عن مكانه؟ لم تستطيع أن تجيب!!.
عجائب منذ الصغر:-
في عمر الرابعة ذهبت مع والديها إلى المتحف البريطاني، وفي صالات العرض المصرية، تركتهم حين رأت صورة معبد "سيتي الأول" والد "رعمسيس الكبير"، وظلت تصيح "هذا بيتي" ولكن أين الأشجار؟ وأين الحدائق؟، وظلت تجري بين التماثيل وتقبل أقدامهم وهي تبكي صائحة هؤلاء هم شعبي!، ثم حرصت على تكرار الزيارة بعد ذلك، وهناك قابلت عالم المصريات "أيه. والاس بدج"، والذي جذبه حماسها وشغفها وشجعها على دراسة الهيروغليفية فيما بعد.
زيارة "حور رع" لها:-
في عمر الـ 14 بدأت بوصف الزيارات الليلية لــ "حور رع" ليملي عليها في 12 شهر قصة حياتها السابقة والتى سجلتها في 70 صفحة باللغة الهيروغليفية، وهي عن حياتها في مصر القديمة بإسم "بنتريشيت" (قيثارة الفرح)، والتي عاشت في الفترة (من حوالي 1290 ق.م إلى 1279 ق.م)، حيث تم وضعها في سن الثالثة بمعبد "كوم السلطان" لتكون كاهنة عذراء، وحين بلغت الـ 14 تعلمت دورها في الدراما السنوية لشغف أوزوريس وقيامته ، ولا يمكن أن تؤديه سوى فقط الكاهنات العذارى المكرسات لإيزيس، وأثناء زيارة الفرعون "سيتي الأول" وقع في عشقها وهي أحبته وتوالت لقائتهما الليلية، مما أدى لحملها، وهو ما يعد بمثابة جريمة عظمى وعقوبتها الموت، ووقت المحاكمة فضلت الأنتحار عن البوح بأسم حبيبها وتوريطه وكشفه أمام الكهنه، وقد صاحبت حالتها تلك المشي أثناء النوم والكثير من الكوابيس مما دعى والديها إيداعها في الكثير من المصحات.
رحلتها إلى مصر:-
في سن الـ 27 عملت في لندن بمجلة علاقات عامة مصرية، وكتبت لها مقالات ورسمت رسومًا كرتونية عكست دعمها السياسي لإستقلال مصر، وحينها التقت بزوجها المستقبلي "إمام عبد المجيد"، وهو طالب مصري ، وفي عام 1931 انتقل إلى مصر بعد طلبه الزواج منها، وحين وصولها قبلت الأرض وأعلنت أنها قد عادت للوطن للبقاء. أنجبت منه ابنهما الذي أسمته "سيتي" تيمنا باسم حبيبها الفرعون ومنه جاء أسمها "أم سيتي"، ثم التقت صدفة مع سكرتيرة "جورج ريزنر"، والتي علقت على قدرتها الواضحة على سحر الثعابين وأخبرتها أن تعاويذ هذه القوى كانت في الأدب المصري القديم، وزارت "أم سيتي" هرم أوناس من الأسرة الخامسة مع "كلاوس باير" في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ، وقد ذكر أنها قامت بخلع حذائها قبل دخول هرم أوناس في زيارتهم لسقارة، وقد واصلت دورثي الإبلاغ عن الظهورات وتجارب الخروج من الجسد خلال هذا الوقت، وقد أنفصلت عن زوجها حين تولى وظيفة التدريس بالعراق مفضلة البقاء في مصر مع أبنها في عام 1935 وانتقلت للإقامة في نزلة السمان.
العمل في أبيدوس:-
في 3 مارس 1956 عن عمر 52 عام، عرض عليها "أحمد فخري" الأختيار بين أمرين، هما البقاء في القاهرة والحصول على وظيفة بمكتب السجلات بأجر جيد، او الذهاب إلى أبيدوس والعمل بأجر زهيد، وبالطبع اختارت "أم سيتي" أبيدوس حيث عاشت فيها قصة حبها مع "سيتي الأول"، وهناك أثبتت مرة أخرى صدق قصتها حين شاهدت "معبد سيتي الأول" وأخبرتهم عن مكان أطلال الحدائق المفقودة، كما قام باختبارها كبير المفتشين من دائرة الأثار المصرية والذي أخذها إلى معبد "سيتي الأول" وأختبر إذا عائلتها، حيث وقف في الظلام، ووصف لها سلسلة من اللوحات الجدارية. وبعد كل وصف ، كان يطلب منها أن تمشي في اتجاه تلك اللوحة الجدارية بالذات، ولقد فعلت ذلك دون أدنى خطأ، مما ادهش المفتش حيث لم يتم نشر موقع تلك اللوحات من قبل، قضت "أم سيتي" باقي أيامها في أبيدوس، مع أبنها وصاحبهما كوبرا قامت بتربيتها وإطعامها. ساعدت الباحثين والحفارين في العثور على الأماكن المجهولة والمفقودة وأماكن تواجد الأثار المصرية بتلك المنطقة، كما أنها اشتهرت باستخدام العلاجات المصرية القديمة في علاج الناس، وقامت بفك وقراءة العديد من الجداريات والبرديات الهيروغليفية، وكان يأتي لزيارتها العديد من علماء الأثار حول العالم للإستماع لها ومناقشتها، وقد قامت بالعديد من الدراسات المقارنة بين سلوك وطرق الحياة المصرية الحديثة والقديمة، وتم عمل الكثير من الأفلام الوثائقية التي تناولت حياتها وأبحاثها وإسهاماتها التي أذهلت العديد من العلماء.
وفاتها ودفنها:-
وكانت تعلم بأن المقابر المسيحية او الإسلامية لن تقبلها، ولذلك رغبت ببناء مدفن لها في حديقة منزلها الخلفية وأرادت بنائه ببلاطة أسمنتية وغرف داخليه، ولكن حين وفاتها في عام 1981 وعن عمر يناهز الـ 77 عاما، تدخل مسئولو الصحة وقاموا بدفنها بشكل لائق، وقد رضخت لذلك أحدى المقابر القبطية المحلية، ولم يضعوا على قبرها لوحة بأسمها، بل كان قبرها عبارة عن كومة من الحجارة، فقد دفنت "أم سيتي" بشكل مجهول بعد حياة غريبة وغير عادية، وحتى الأن مازال العلماء في حيرة من أمرهم ولا يجدون أي تفسير منطقي لحياة "دورثي أيدي" الزاخرة بالغرائب.