"آباء ولكن"

 

آباء ولكن
آباء ولكن


كتبت - رنا ناجي

 

أجل لقد مر على مسامعنا جميعاً ما يشبه هذا الأسم «أبناء ولكن» أسم لعمل تليفزيوني مصري شهير ربما لا أتمكن من استعادة كل أحداثه بتلك اللحظة، لكن أعلم أنه كان يدور عن الأبناء عن قصورهم فى تأدية تلك المهمة بالشكل المطلوب .. مهمة أن يكونوا أبناء وأخوة لبعضهم كما ينبغي.

 

وليس فقط هذا العمل، سنجد أن العديد من الأعمال الفنية قد تناولت تلك القضية وتم بحثها بشكل مفصل منذ عقود كثيرة، ولكن ما يهمني هنا هو الجانب المعاكس لتلك القضية ألا وهو عدم صلاحية الآباء، الذى يبدو كموضوع شائك قد يتجنب العديد الخوض فيه لكونه قد يتحول إلى إتهام بجريمة عقوق والدين ..

 

ولكن ألا يجب أن يكونوا بالأساس والدين ليتم عقوقهم ؟! فما الذى يجعل من الآباء آباء ؟ هل هى فقط قصة إنجاب ؟ عملية بيولوچية بحتة ؟ هل يحق لأياً كان لأنه شارك فى إنجاب طفل أن يطلق على حاله كلمة أب ؟ بل ويتصور أن ذلك يمنحه حصانة وقدسية كالآلهة تبيح له فعل ما يحلو بهذا الطفل تحت مسمى الأبوة ؟ كما يطالب بالطاعة العمياء تحت مسمى البر ويتحامى خلف مصطلح "عقوق الوالدين" ؟!!!

 

فى البداية دعونا نصحح هذا المفهوم الخاطيء، لكي يصبح أحدهم أب لا يعني فقط الإنجاب بل تحمل مسئولية هؤلاء الأطفال من أول يوم وإلى آخر رمق بالحياة، أن تكون موجود لأجلهم لتحبهم.. وهو ما يفترض ألا يكون صعباً على الإطلاق فهى محبة آلهية يضعها الله فى قلب العبد بل وكل المخلوقات لفلذات أكبادها، ولكن قسوة قلوب بعض البشر طاغية إلى الحد الذي يمنعهم من إستيعاب تلك المحبة بينما قد نراها بكل سهولة وتلقائية فى عالم الحيوانات والعديد غيرها من المخلوقات!!!

 

فالأب يجب أن يكون مصدر أمان يحمي ويدافع ويعزز الثقة بالذات, يجب أن يكون حضن كبير دافيء حاضر دوماً لأجل أبناءه .. منبع حنان لا ينقطع .. مرشد وناصح معتدل وقت الخطأ .. داعم فى وقت الشدائد .. مشارك وفخور عند النجاحات.

يجب أن يكون خط دفاعهم وهجومهم الأول، المصدر الرئيسي للحب والقوة والأمان, فهذا ما يكون عليه الأب ذلك الضهر الشديد الذى يسندنا والسور المتين المرتفع الذى يلفنا برقة ويأوينا من مصاعب الحياة.

 

هذا هو الأب ولكن المأساة الحقيقية التى لا يعلمها الجميع أو يختارون تجاهلها أن لكل طفل نسخته الخاصة من الأب! أن هناك الأب الذى يهمل والذى يتخلى والذى يحرم،  الأب الذى يقوم بالإعتداء اللفظي بل والجسدي, الأب الذى يراك فقط فى صورة قبيحة مشوهة وناقصة يصدرها لك منذ الصغر لتصبح هى كل ما أمامك وتصدقه.

تصدق أنك غير كافي وقبيح من الداخل والخارج حيث أن العيون التى يجب أن ترى فيك الجمال رغم كل قبح لم ترى فيك سوى القبح!

 

هناك آباء يزعزعون الثقة بالنفس ويقتلون داخلك الثقة فى إمكانية أن تُحب، فلا تثق فى المحبة من أحد ولا فى صدق أحد حتى تخسر الجميع ..

هناك آباء يشوهون النفس ويضيعون المستقبل والحياة فيدفعون أبناءهم للعنف والإجرام، أو أن يصدروا لأبناءهم هم لاحقاً ولا شعورياً ما عاشوه فى طفولتهم, لنصبح فى دائرة مغلقة خبيثة لا نستطيع الأفتكاك منها ..

وهناك الآباء الذين يصنعون منك منكسر ذليل دائم الفشل لأنك تنتظره دوماً لكونك لا تثق أن بك ما يمكن أن يكون جميل أو ناجح.

 

هناك آباء يكسرون الروح والقلب ويتركون داخلنا ما لا يشفى ولا يمكن جبره مهما طال الزمان ..

فهل تلك أبوة أم إجرام ؟! هل من الصحيح لوم الأبناء دائماً ؟ وهل سيكون من درب الجنون أن يتم تقييم الشخص ومدى إستعداده النفسي وإن كان سوياً بما يكفي ليصبح أب ؟ أو أن يكون هناك قانون رادع لمنع التعدي النفسي واللفظي والجسدي على الأبناء كما يحدث بالعديد من دول الخارج ؟

أم إنه سيكون طريق ومحاولة لإنقاذ الكثير من الأرواح البريئة من مآسي وفشل وحياة من المعاناة والإحباط ؟؟

أحدث أقدم