كتبت – هاجر تويج
يقول الاديب طه حسين : "أن أكثر المصريين يجهلون أن لهم في بناء
الكعبة يداً، وأنهم قد اشتركوا في البناء".
والحقيقة أن كلامه صحيح فلم يكن للمصريين يد واحدة شاركت في المساعدة في
البناء بل أكثر من يد
فقبل ظهور الإسلام شارك نجار قبطي في البناء وقام بسقف الكعبة المشرفة، وفي
ثمانينات القرن الماضي شارك مصري آخر في توسيع وتجديد الحرم المكي، فنالوا شرف
خدمة الله ونال المصريون معهم الفخر.
باخوم المصري ..قصة قبطي اختاره القدر لحدث عظيم :
"رأوا بيتهم الذي يقدسونه و
يعبدون الله فيه قد طال عليه العهد، وبعدت به الأيام، وظهر عليه الوهن، وتعرض
لأخطار السيل، واجترأ عليه اللصوص، فتساءلوا: ألا يكون من الخير أن يجددوا بناءه
القديم، بحيث يقيموا لربهم بيتاً جديداً فخماً متيناً، يلائم مكانته في قلوبهم،
ويلائم ثروتهم هذه التي تزداد من يوم إلى يوم".
هكذا بدأ الاديب طه حسين في كتابه "على هامش السيرة" قصة تجديد
بناء الكعبة المشرفة قبل ظهور الإسلام، يحكيها على لسان "خانوم المصري"،
الذي حملته رياح الأقدار إلى المشاركة في تجديد الكعبة المشرفة.
كان خانوم على ظهر سفينة محملة بالاخشاب في البحر الاحمر قادمة من السويس
لكنها فجأة تحطمت وقذف بها الموج إلى ميناء جدة، سمع أهل مكة بما حدث فأسرعوا إلى
اصحاب السفينة الذين ارتابوا منهم، ولكن أهل قريش يحسنوا لقاءهم، ويؤمنونهم على أنفسهم وأموالهم، وسألوهم: «هل نستطيع أن
نتخذ من خشب هذه السفينة لبيت ربنا سقفاً؟».
نجح شباب مكة في المهمة ورجعوا بالأخشاب وبنجار ومهندس مصري يدعى
"خانوم".
شارك في البناء واستفادوا بخبرته في النجارة والهندسة وقام بعمل سقف للكعبة
ليحميها من المطر والسيول، عرف بكفاءته فى مهنته وتميزه، وإخلاصه فى العمل، كان
على قدر المسؤولية، ونال شرف عظيم.
باخوم والشاب الأمين :
التقى باخوم ب"الشاب الأمين" الذي وضع الحجر الأسود موضعه وحل
النزاع بين قبائل مكة عندما اشتد وحكم بينهم
قائلاً : "هلمّ إليَّ ثوباً"، فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم
قال: "لتأخذ كل قبيلة ناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً ".
ففعلوا، فلما بلغوا به موضعه أخذه
بيده الشريفة ووضعه في مكانه.
سكت «باخوم» متأملاً، كأنه يستعيد في نفسه هذه القصة التي سحر بها قلوب
سامعيه.
ولكن القسيس قاطعه سائلاً : ونجران يا بني أذهبت إليها؟ أأقمت فيها الكنيسة
التي كنت تريد أن تقيمها؟
قال باخوم: «لا يا أبانا، قنعت ببناء هذا البيت لهذا الحي من قريش، وما
أدري لماذا استيقنت نفسي منذ ذلك اليوم بأن سيكون لهذا البيت ولهذا الأمين شأن
عظيم.
يسميه قومه محمداً، ويسمونه أحمد،
ويكنونه أبا القاسم، ويتحدثون عنه بالأعاجيب.»
نال خانوم شرف خدمة بيت الله وشرف رؤية الرسول الكريم، ليكون من بيننا مصري
قام بالعمل بجوار الرسول الامين.
بعد التوسعة الاولى للحرمين والتي كانت في عهد "الملك سعود" عام
1956م.. وجد "الملك فهد" ضرورة إجراء مشروع ضخم وإجراء توسيعة ثانية مع
تجديد للحرمين الشريفين، وخصص ميزانية ضخمة لتنفيذ هذا المشروع، أمامه الكثير من
المهندسين الأكفاء من مختلف الجنسيات والخبرات فمن سيختار؟.
كمال اسماعيل المهندس المغرم ب "العمارة الإسلامية "
مهندس عظيم وشيخ المعماريين صاحب المشاريع الكبرى فهو مهندس مجمع التحرير،
والحاصل على البكوية من الملك فاروق.
وهو مؤلف موسوعة "مساجد مصر" العمل الذي ترجم لأكثر من لغة، وطبع
أكثر من مرة، وانتشر في أكثر من دولة حتي وصل إلى الديوان الملكي السعودي.
تلك الموسوعة التي أثارت إعجاب "الملك فهد" الذي أصدر قرار
بتكليف المهندس المصري بتولي مسئولية إعادة إعمار وتوسيع الحرمين المكي والنبوي.
التوسعة الثانية للحرم المكى:
كان للمهندس اسماعيل كمال فلسفة خاصة في مشروعه تلك الفلسفة هي "حج
مريح للحجاج تستخدم فيها كل أساليب الراحة
وتستشعر فيه عظمة العمارة الإسلامية في منظر يسحر العين ويشرح القلب
بالروحانيات".
كان أمامه الكثير من التحديات، لكنه استطاع أن يتغلب عليها و يبدع في عمله
واعانه على هذا الله.
فالحرم النبوى زادت مساحته بمعدل زيادة سبعة أضعاف، من 14 ألف متر إلى 104
آلاف متر مربع بحيث أصبحت مساحة المسجد بعد توسعته تعادل مساحة المدينة المنورة
كلها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
والحرم المكى توسع من 265 ألف متر
إلى 315 ألف متر مربع.
كما اخترع القباب المتحركة و المظلات الأوتوماتيكية القائمة علي اعمدة
عالية و التي تحتضن مئات الآلاف في الصحن فحينما تفتح المظلة الواحدة أوتوماتيكياً
تغطى مساحة 24 متراً، بالإضافة إلى التكييفات وجراج يسع 5000 سيارة تحت الأرض.
كان يشغله قبل المساحات أن تتم تغذيتها بنور وهواء طبيعيين، وأن يطبق في
المكان أبرز أفكار معمار المساجد القديمة المغرم بها فكانت فكرة الحوش.
ظل العمل قائماً لمدة 13سنة بميزانية تخطت 18 مليار دولار .
صمم المهندس إسماعيل كمال التوسعة عام 1982، وكان عمره وقتها 75 عاماً،
السن لم يكن يعني شيئاً أمام شغفه ونشاطه وحبه لعمله.
ما سر برودة رخام الحرم ؟ هل لاسماعيل دور في ذلك؟
عندما ذهب جدي لأداء فريضة الحج
قال برغم شدة الحرارة إلا أن الرخام بارد وجميل، كان رحمه الله متعجباً من برودة
أرضية الحرم المكي.
اثناء اعمال البناء والتجديد اشتكى العمال من سخونة الأرض ففكر إسماعيل في
الحجاج كيف سيواجهون تلك الحرارة؟.
بحث وفتش حتي وجد نوعاً من الرخام يوناني المنشأ يدعى "تاسوس"
أكتسب هذا الاسم من جزيرة يونانية تقع في
بحر إيجة، ويعتبر أكثر انواع الرخام بياضاً في العالم.
فهذا النوع من الرخام يتميز بأنه يعمل على امتصاص الرطوبة طوال الليل
وعندما يحل النهار يخرج ما قام بامتصاصه من رطوبة، لذلك يشعر الحجاج ببرودة من
رخام الحرم.
قال إسماعيل في حوار نادر أنه اجتهد كثيراً في إذابة الفارق بين التوسعات
الجديدة و آخر توسعات حدثت.
صاحب ال ٩٩ عاما :
"الاسم: محمد كمال اسماعيل، من ميت غمر، دخلت في ال ٩٩ ولم اصل بعد
إلى عمر ال٩٩ وأعتقد أن الله اعطاني هذا العمر الطويل بفضله لأنني خدمت النبي
بإخلاص ووفاء وصبر وكل مايمكن أن يبذل في سبيل خدمة هذا النبي الكريم".
كانت هذه كلمات شيخ المعماريين في حديث تلفزيوني نادراً وربما كانت هذه
كلماته الأخيرة.
رحمه الله وجزاه عن كل المسلمين في شتى بقاع الأرض كل خير.