![]() |
قصة حب قيس وليلى |
كتبت – ميار
البتانوني
هل هناك قدر
أسوأ من أن تقع في حب مَن هو مِن المستحيل أن يكون لك؟ لقد شهد التاريخ الكثير والكثير
من قصص الحب المشتعلة التي ختمت بالنهاية المأساوية الحزينة، ومن أشهر هذه القصص
تلك القصة الشهيرة التي حدثت في عهد الخليفة عبد الملك ابن مروان، انها قصة قيس
مجنون ليلى.
قصة مجنون ليلى
مهلاً حتى لا
يختلط الأمر، قيسنا اليوم هو قيس ابن الملوح وقصته مع معشوقته ليلي العامرية، وليس
قيس ابن الذريح مع معشوقته لبني!، في نجد تحديدا عام 645 م ولد بطلنا قيس وعاش في
بادية العرب بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
لُقب قيس
بالمجنون ليس لأنه مريض فعلا بل لعشقه لتلك الفتاة التي أجمعت معظم الروايات انها
كانت ابنة عمه وهي ليلي العامرية.
ليلي العامرية
جميلة جميلات زمانها ولدت بعده ب 4 سنين وكانت تنتمي إلى قبيلة تدعي قبيلة هوازن.
تربيا معاً
وكبرا معاً وكانا يرعا اغنام أبويهما، وعندما كبرت ليلي حُجِبَت عن مجنونها وابن
عمها الشاعر الذي لم يكف أبداً عن التغنّي بها وبحبه البريء لها في كل أشعاره.
قد يكون هذا هو ذنبه الذي حرمه منها طيلة حياته وأسدل ستار النهاية المأساوية على هذه قصتهما الرائعة التي كانت تستحق أن تُتَوَّج بأسعد النهايات
أول تحويرة أنثوية في التاريخ
ذات مرة كان قيس ابن الملوح يريد أن يسافر باحثاً عن الرزق وكان لا يدري متي سيعود، وسافر ومرت الأعوام وعاد وجد أطراف أصابع ليلاه لونها أحمر فأنشد شعره المعروف الذي تغني به أيضا مطرب التراث عبد الرحمن محمد:
فلما تلاقينا على
سفح رامةٍ** وجدت بنان العامرية أحمرا
فقُلت خضبت
الكف على فراقنا؟ ** قالت معاذ الله ذلك ما جري
يعني حنيتي
إيدك واتخطبتي والنبي يا بيه ما حصل
ولكني لما
وجدتك راحلاً** بكيت دماً حتى بللت به الثري
دا الدموع ملت
الأوضة
مسحت بأطراف
البنان مدامعي** فصار خضاباً في اليدين كما تري
ودي كانت أول
تحويرة أنثوية رايقة في التاريخ.. هايل يا فنانة
للقدر رأي آخر
الجدير بالذكر
أن ليلي كانت تكتب الشعر أيضاً ولها شعر محفوظ وكانت عاشقة له أيضاً، ولكن دائما
للقدر رأي آخر!!
عندما تقدّم
قيس لخطبة ليلي رفض أهلها تزويجها له لأنه و للأسف من عادة العرب وقتها عدم تزويج
فتياتهم لأي رجل استحل لنفسه أن يبوح بحبها في العلن وينشد لها الشعر الذي ينبض
بعشقه لها!!
حتى ولو كان
هذا العشق مصحوباً بأشد درجات البراءة على عكس المعروف عن معظم الشعراء وقتها
وسأل أهل قيس
أهل ليلي بالرحم والقرابة وجميع المعظمات ان يزوجوها منه وباءت كل المحاولات
بالرفض، وزوَّجها أهلها رغماً عنها لشخص آخر يُدعي ورد وهاجرت مع زوجها إلى الطائف.
فاقت القصة كل الحدود
فاقت قصة قيس وليلي
كل الحدود لدرجة التشكيك من البعض ان هذه القصة لم تكن حقيقية وأبطالها لم يكن لهم
وجود في الواقع ومن أشهر المشككين فيها عميد الشك دكتورنا العظيم طه حسين!!
بالفعل تستدعي
الشك لقد كان مجنوناً بها بكل ما تحمله الكلمة من معني لدرجة قرر أبوه أن يتجه به
إلي بيت الله الحرام ويدعو الله أن يخلصه من هذا الحُب الذي يأخذ منه ولا يعطيه
ولكن عندما
تعلق قيس بأستار الكعبة وجد نفسه تلقائياً يدعو الله أن يزيده بها حباً ولا ينسيه
زكرها أبداً!
فضربه أبوه!
يا لَلعنة!!
وقال هذه الأبيات:
-
ذكرتك والحجيج
لهم ضجيج **بمكة والقلوب لها وجيب
فقلت ونحن في
بلد حرام ** به لله أخلصت القلوب
أتوب إليك يا
رحمن مما **عملت فقد تظاهرت الذنوب
فأما من هوي
ليلي وتركي** زيارتها فإني لا أتوب
وكيف وعندها
قلبي رهين **أتوب إليك منها أو أنيب
و يُقال أنه
عندما كان يذهب في الصحاري للصيد و يصطاد الظباء كان يُحرمها علي نفسه لأنها تذكره
بليلي و يتركها دون صيدها و دون ان يأيها قائلاً:-
راحوا يصيدون
الظباء وإنني** أري تصيدها عليّ حراماً
أشبهن منك
سوالفاً ومدامعاً **فأري عليّ لها بذاك ذماماً
أعزز علي بأن
أروع شبهها **او أن يذقن علي يدي حماما
آه من ولعه وجنونه بليلي
ومن شدة حزن
قيس علي محبوبته ساء به الحال هائما على وجهه في الصحاري والبراري بين الشام ونجد
والحجاز يأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري البريء لليلي وآه من ولعه وجنونه بليلى،
حتى وُجِدَ يوماً ما ملقي في الصحراء وهو ميت.
مات قيس ابن
الملوح وحيدا في البراري عام 688 م بعد عمر من المعاناة عاشه وقلبه ينزف ولا أحد
يشعر به ولكن أبيات شعره تحكي وتخبرنا عن كل غصة قلب شعر به في سبيل هذا الحب
المستحيل.
وهنا سطرت
القصة سطورها الأخيرة وإلى الأبد تاركين ورائهم أسطورة حب خرافية يضرب بها المثل
أجيال وأجيال.
وفي النهاية أعتقد شخصياً أنه لو تزوج قيس بليلي ما أبدع هذا الشعر الذي يبهرنا إلي اليوم في كل مرة نقرأ قصيده من قصائده او بيت من أبياته أو كلمة من كلماته و لم تخلد أسطورة عشقهما و لم تدم ذكراهم إلى هذه اللحظة.