ادرينالين مجانا لعشاق الإثارة!

 


 

كتبت – رجاء تلمساني

 

يطلب الادرينالين لعشاق الاثارة، فحسب وصفهم هم يشعرون بسعادة غامرة براحة وسكون داخلي، فشعور النشوة عندهم مرتبط بخفقان القلب السريع واتساع حدقات العين يجعلك تعيش فوق السحاب، لكن للأسف فور انتهاء مفعول الادرينالين تشعر بإرهاق شديد تتحول النشوة الى لحظة عابرة.

 

هكذا أصبحت الشاشات وما يعرض فيها مصادر للنشوة أيضا، فلكل منا هنا إثارة خاصة السينما، وما تعرضه مثلا من أفلام رعب واثارة ودراما وتراجيديا ورومانسية نوع من أنواع المخدر الموضعي يوضع مكان الألم.

 

هكذا أصبحت الميديا عالما كبيرا لصناعة أرخص أنواع المخدرات كبسة زر وبصمة أصبع تختار نوع المخدر الذي يسعدك، فهناك من يتلذذ وينتشي بمشاهدة مشاهد الرعب والتي تتقنها السينما الأمريكية أكثر من أي سينما أخرى تتفاعل مع المعروض ويرفع ضغط دمك الى السماء، تصبب عرقا ربما من هول المشهد واحترافيته.

 

بالمقابل تشاهد حروبا على نفس الشاشة ابطال حقيقيون يتناثرون جثثا هامدة امامك، ودماء واشلاء في كل مكان، وحسرة عيون باكية وصرخة أطفال مدوية، ولكن للأسف المشهد المصنع في السينما أثار نشوتك أكثر من المشهد الحقيقي.

 

تعرفون ان أشنع ما في الامر هنا، هو الفظاعات التي نراها يوميا من رعب السفاحين والقتلة الحقيقين لم تعد تهز شعرة من نفوسنا، لقد اعتدنا على رؤية الشر وتجسده امامنا، ونسعد ونستمتع من صناعة الموت.

 

انها عبقرية الغش، فالمقامرون دائما يراودهم حلم الفوز، والعبقرية اتخذت اشكالا مختلفة بعضها أخلاقي واغلبها لا أخلاقي، أليست القنبلة النووية اختراع عبقري، أيضا المسدس والدبابة، والهيروين، والكوكايين وغيرها.

 

القمار لعبة عبقرية، وفي أحد الأفلام الأمريكية حيت عرضت قصة حقيقية شباب استطاعوا بذكائهم ودهاءهم النصب والاحتيال على أكبر صالات القمار في أمريكا، وجنوا أموالا طائلة وأصبحوا يدربون اجيلا بعدهم، اليوم نحن أوراق اللعب يلعبون بعقولنا ويتفننون في اختراع أزهى أنواع المخدرات لرفعنا عن عالمه، وأصبحنا ننتشي بمشاهد الموت ومخيمات القهر والفقر والعدالة.

 

لقد فازت العبقرية اللاأخلاقية، ففي لعبة القادة هم دائما رابحون ونحن خاسرون هناك خيط رفيع بين ان تشتري مخدرا وتتعاطاه عن قناعة وبين ان تشتري مخدرا وانت لا تعرف إنك تشتريه.

 

نحن هنا كسارقي المقابر، نقف خلف الشجيرات نترقب تراكم الجثث لنبيعها، نعم هنا يباع الانسان حيا وميتا، فلا رحمة هنا ولا حرمانية، أيضا تسرق الجثث تستخدم في طقوس شيطانية، سحر وشعودة، المسكين لم يرحم فوق الأرض ولا تحتها، انتزعت من جثثه، يده عينه رجله حتى سكينة القبر حرموه منها وعجز ملاكا الموت عن استجوابه.

 

لقد صورت السينما أفلاما كثيرة عن اكلي لحوم البشر، ربما في بدايات السينما كانت تظهر لنا هذه المشاهد شنيعة وقاسية وكنا نعتقدها خيالية، لكن هناك من قدم أدلة بان هناك فعلة أكلة للحوم البشر، انها نشوة أيضا، شيء رهيب ان ترى انسانا امام عينيك يتلذذ بتقطيع إنسان أمامك ويلتهم لحمه بكل شراهة، وانت من لذتك ونشوتك الخفية لا تزيح نظرك عن الشاشة، أنت أيضا تستمتع في تلك اللحظة، فثمن استمتاعك رخيص جدا.

 

أن يأكل بشري جسد بشري ما هذه الفظاعة، تشاهد ولن تحرك ساكنا، انت الان مثل طفل وحيد هادئ، فقط تختلس النظرات.

 

انها رحلة ملعونة الى عصر العبقرية والعلم، حيت أصبحنا نأكل لحم بعضنا البعض دون ان نسيل دماء او نقضم عظام.

 

اعتقد ان الخيار الوحيد امامنا وبمنظور انساني ان كانت ماتزال هناك لدينا ذرة إنسانية، ان نتحول الى نباتيين، فحتى لحم الغنم والبقر والدجاج صار فوق امكانياتنا المادية، ولو تحولنا للخضر والفواكه فقد ارتفع سعرها لأنها تعتبر الاكلة المفضلة للبورجوازية، لأنها أكلت لحوما كثيرة لم تعد ترغب في المزيد، ولم تعد تسعد وتنتشي باللحم فطعم لم يعد لذيذا، وأصبحت الخضر والفواكه تجلب لها الصحة والسعادة احتراما لحميته الغذائية، وإن لم تتمكنوا من اكل اللحم والخضر فنافسوا الذواب على اعشابها المجانية.

 

عليك ان تغلق اذنيك عن سماع اي امل واي وعد بالحياة، واستعد لمواجهة مصيرك "الموت"، لا تنزعج فلك مخدر أيضا أيها المعدوم والفقير، ستجري وتلهث كل يوم على لقمة وستشعر بسعادة غامرة في حصولك على خبزة، نعم خبزة وسيرتفع ادرينالين جسمك وتتسع حدقات عينيك ويخفق قلبك سريعا وتدمع عيناك من قمة النشوة، فمخدرك مفعوله لحظي.. افرح فهو متجدد لكل تانية ودقيقة وكل يوم وساعة.

أحدث أقدم