أبحث عن صديق!

 



كتبت – رجاء تلمساني


"كم ترهقني الوحدة، أحب أن يكون لي صديق، سأكون ممتنا لأي أحد يظهر لي الصداقة، سأقتسم كل ما أملكه معه، مالي سريري، فقط من أجل عاطفة قليلة، سأكون ناعما جدا معه ولن أعارضه اطلاقا، ستكون رغباته هي نفسها رغباتي، سأضحك لضحكه وسأنفجر باكيا لبكائه".

 

البحث عن صديق هو الشغل الشاغل" لفكتور باطون" بطل رواية" أصدقائي" للكاتب الفرنسي ايمانويل بوف.

 

الرواية تتناول مسألة الوحدة والجراح التي تمزق الروح الانسانية، هي مضحكة جدا لدرجة البكاء، فهي قصة تراجيدية بقالب يبدو كوميديا، لكنه في الحقيقة يعبر عن حرب نفسية.

 

الرواية هي تشريح للواقع الذي يعيش فيه فيكتور العزلة القاتلة، ففي كل صباح كان يخرج من غرفته يمني نفسه بالحصول على صديق، فهل فعلا سيعثر فيكتور على صديق؟



 


وحدة فكتور وعزلته كانت فردية، أما عزلتنا نحن في عزلة جماعية، نحن اليوم بعيدون عن أهلنا وأصدقائنا، فأرواحنا أصبحت معزولة تماما عن علاقاتنا الاجتماعية، حتى أجسادنا حاضرة غائبة، وصوت أنفسنا لم نعد نسمعه.

 

رواية أصدقائي هي سخرية لاذعة لما يوحي به عنوانها، هي مزيج بين الأمل والبراءة والكبرياء.

 

 يقول فكتور "سأكون ممتنا لأي أحد يظهر لي الصداقة" تصوروا معي هذه العبارة كم هي قوية ومؤلمة، حيث فكتور يتوسل الحصول على صديق، يحاول أن يجتذب اهتمام الأصدقاء المتوفرين، صاحبة البقالة ذات الوجه العبوس التي لا ترد عليه حتى التحية وبالكاد تتحمل تواجده تلك الثواني أمامها، بائعة اللبن التي تعتقد أنه متسول وتنضر اليه بنضرة الشفقة، مع أنه في نفسه كان يخبرها أنه جندي ومحارب وقد ثم تكريمه، ولديه راتب هو فقط يحتاج لكلمة او كلمتين ولا يحتاج الى صدقة.

 

فكتور لديه رغبة قوية فقط في التواصل الإنساني، لذلك تجده يتسكع بالساحات العامة وفي محطات القطار، يحاول اجتذاب انتباه أحدهم، فيجد نفسه يسأل انسانا غريبا عن عمله في الشارع، فقط من أجل أن يحاوره ويتبادل معه أطراف الحديث، يقول: "يجب ان اتبعهم في كل مكان، مثل كلب، ولكن الناس اللذين عرفتهم لم يقدروا هذه الحقيقة أحيانا اتساءل ان لم أكن مجنونا".

 

كلمات فكتور هي مناجاة داخلية تعبر عن كم هو سخيف ان يشعر الإنسان بالخجل عندما يمشي في الشارع، يحاول جذب أصدقاء، وملاحقة الفتيات من أجل ايجاد حبيبة، ولقد تحولت حياة فيكتور الى مسلسل كوميدي وتراجيدي يعبر عن السفه المؤلم للوجود.

 

رواية أصدقائي هي حقا رواية حزينة ولها أبعاد إنسانية حيث تأخد شخصا قد تبدو مشاكله مضحكة (الحصول على صديق) وتحاول ان تجعل من هذا الضحك مؤثرا وتريدنا ان نبكي على فكتور عبر ضحكنا أو ان تجعلنا متعاطفين معه على الأقل.

 

بالرغم من غياب الود وبالرغم من الألم الذي كان ينهش جسده ونفسه فهو أصبح معتادا عليه، وبالرغم من الجانب الأخر من شخصية فكتور والتي لا تقبل أن يتدخل الأخرون فيها، لأنه مثل أي إنسان أخر، لكن في صميم قلبه مازال يبحث عن صديق من لحم ودم.

 

فكتور لا يريد ان يصاحب اي كان، بل هو يبحث عن صديق حقيقي يفرح لفرحه ويبكي لبكائه يحكي له مغامراته العاطفية وفشله في الحصول على حبيبة، فكتور أصبح يؤمن ان الأشياء ربما ستؤمن له الراحة التي أنكرها عليه المجتمع الانساني.

 

هناك خزن عميق في الرواية ففي النهاية فكتور فعلا لم يستطع الحصول على صديق، رغم توسلاته ومناجاته، فالشقة الصغيرة الرطبة، أنبوب المدفأة المكسور والمربوط بقطعة قماش ثيابه، وستائر نوافذه المقرمشة هم أصدقاؤه الوحيدون في العالم.

 

Post a Comment

أحدث أقدم