عن الأمومة وأشياء أخرى.. ما لا تبوح به الأمهات!

 


 

كتبت – أسماء خيري

 

في حياة الأنثى ومنذ الأزل وفى شتى العصور لطالما اعتُبرت مرحلة الأمومة هي المرحلة الأبرز والأسمى والأهم في حياة أي امرأة، وقد ترسخ في أذهان الكثيرين ارتباط مفهوم الأنوثة بإنجاب الأطفال.. بما يعنى أن الأنوثة والإنجاب معنان متلاصقان.

 

وفى الشرق الأوسط والمجتمعات المحافظة تتخذ الأمومة مزيداً من التبجيل والقدسية والمباركة، تضاف لكونها عملية فسيولوجية طبيعية، فتتخطى فسيولوجيتها إلى اعتبارها وظيفة ذات مكانة سامية تحظى بالحفاوة والشعارات والأناشيد.

 

إلا أن تلك الصورة توارى وراءها من التعقيدات ما ليس بالهين أو القليل، وما لا يتم البوح به غالباً، فيندثر في هوجة الشعارات وموجة المباركات..

 

ومع انتشار الحركة النسوية كان للحديث عن وظيفة الأمومة والإنجاب نصيب من أفكار الحركة، حتى ظهر على السطح مؤخراً تساؤلاً كان بمثابة مفاجأة واستغراب شديدَين حتى في الأوساط النسائية نفسها.. وذلك أمر متوقع نظراً لما تم ترسيخه والاعتياد عليه حول الأفكار الخاصة بالأمومة والإنجاب منذ القِدم ...هل الامومة فطرة أم لا؟!

 

في الغالب فالجواب بالإثبات لا النفي..

 

مفهوم الفطرة لدى الكثيرين خاصة فيما يتعلق بموضوعنا يرتبط بجسد المرأة وأعضاءها الأنثوية التي خلقت بها.. فالرحم، الثديين، والحوض.. جميعها أعضاء تتشارك حيوياً في عملية الإنجاب والولادة، وبذلك لا يصبح هناك مجال للشك بأن الأمومة أمر فُطرت عليه الأنثى ودورها الأساسي..

 

ولكن دعونا نفكر بشكلٍ أكثر شمولية وحيادية.. هل كل النساء مؤهلات لأن يصبحن أمهات؟!

 

تقول إحداهن: "فور أن وضعت طفلي دبّ القلق في نفسى، وسبب ذلك أننى لم أشعر بأي شعور أمومي أو حميمي تجاه الطفل، وما لبثتُ أن واجهت مشكلة أصعب مع الرضاعة الطبيعية، بأن تحجّر ثديي ما سبب لي آلام شديدة وأصبحت غير قادرة على إمداد الطفل بمصدر غذاءه الطبيعي والوحيد، كانت معاناتي الأكبر مع نظرات وهمهمات المحيطين بي في الغرفة وتهكمات النسوة المخضرمات ونعتهم لي بأنني أتدلل بشكلٍ أو بآخر وأن ما ألمّ بى أمر نادر الحدوث، ولولا مساندة زوجي وتفهمه لوضعي وما أمر به لما تخطيت تلك المرحلة الصعبة"..

 

تصوّر تلك القصة شكلاً من أشكال المعاناة التي تمر بها كثير من السيدات مع تجربة الحمل والولادة، ولعل أبرز ما يلفت النظر فيها هو الجزء الخاص بسخرية الأمهات أو من سبق لهن التجربة، باعتبار ما تمر به السيدة امراً عادياً لا يستحق التهويل..

 

تقول سارة (40 عاماً): "تزوجت لمدة عشر سنوات وانفصلت عن زوجي، طوال تلك المدة لم ينتابني أي من مشاعر الأمومة أو ترقّب حملي بطفل، كنت أشعر بأن الحديث حول الأمومة محفوف بالمبالغة، ما جعلنى أظن أن بي خلل ما أو شعور غير طبيعي كسائر النساء، غير أننى تأكدت من "طبيعية" شعوري عندما أصبحت الآن على مشارف سن اليأس وفى تصالح تام مع فكرة أننى لست أماً ولم أحصل على ذرية"..

 

ذكرتني تجربة سارة بتجربة سيدة محافظة القليوبية التي أصيبت باكتئاب حاد ما بعد الولادة دفعها للتخلص من أطفالها الثلاثة، ثم التخلص من حياتها تباعاً في تجربة مأساوية..  سارة لم يتملكها شعور الأمومة ولم تتأثر بالشعارات الرنانة والمعايير المجتمعية، كلاهما تشاركتا الشعور نفسه، ولكن الفارق بينها وبين سيدة الدقهلية أن الأخيرة أنجبت كدور طبيعي لا بد من القيام به..

 

شخصياً لست ضد فكرة الإنجاب، ولكنني أرى أن مسؤولية إنجاب طفل للحياة أمر يستحق التفكير المسبق والتهيئة المسبقة على جميع المستويات من الرعاية اللازمة والدعم النفسي والمعنوي للوالدين، إن لم يتحقق ما سبق عندئذ يصبح دافع الإنجاب بالنسبة لي دافعاً انانياً..

 

أنا مؤمنة تماماً بأن "الأمومة" نالت الكثير من الحفاء الصوري والتعظيم، ولكن على أرض الواقع لم تنل التقدير الكافي من الدعم النفسي للأمهات أو الرعاية الكافية، والدليل على ذلك هو التعامل مع "الولادة" وتبعاتها كأمرٍ مُسلّم به لا بد أن يمضى على نحو جيد دائماً..

 

الأمومة شيء جميل ودافئ، والتأكيد على دور الأمهات في المجتمع ليس نابعاً من فراغ..  وأيا ً كانت قناعاتنا بشأنها سواء رأينا "الأمومة" فطرة أم لا، أعتقد أنه آن الأوان للتصالح مع فكرة أنه ليست كل النساء مؤهلات لأن يصبحن أمهات.

 

علينا تطبيع التعامل والنظرة المجتمعية لكل امرأة متصالحة مع فكرة أنها لا تملك الرغبة في الإنجاب دون وصمها بما ينتقص من أنوثتها، وبدلاً من ذلك علينا القيام بدورٍ أكثر فائدة، وهو التركيز مع النساء اللواتي قُدّر لهن أن يصبحن أمهات بغير قناعة كافية منهن ،النساء اللواتي أنجبن ولسن قادرات على تحمل المسؤولية وانتشالهن من ظلمة الاكتئاب وتقديم يد العون لهن قبل فوات الأوان.

أحدث أقدم