عندما نسمع عن "أعلى جبل في العالم"، غالبًا ما يتجه التفكير إلى جبل إيفرست، الذي يُعتبر أعلى قمة على سطح الأرض بارتفاع يصل إلى 29032 قدمًا (8850 مترًا) فوق مستوى سطح البحر. إلا أن هناك جبلًا آخر يتجاوز إيفرست في الارتفاع عند قياسه من قاعدته تحت الماء إلى قمته فوق سطح المحيط، وهو جبل "ماونا كيا" الواقع في جزيرة هاواي. يُعد ماونا كيا ظاهرة طبيعية مثيرة تدهش العلماء والمستكشفين حول العالم، وسنتعرف في هذا المقال على أبرز الحقائق حول هذا الجبل العملاق.
ماونا كيا.. "جبل السماء"
يقع جبل ماونا كيا على الجزيرة الكبيرة من أرخبيل هاواي، ويُعرف في اللغة الهاوائية باسم "ماونا واكيا"، والتي تعني "جبل السماء". يرتفع هذا الجبل البركاني بشكل هائل من قاع المحيط الهادئ ليصل إلى قمته على ارتفاع 13796 قدمًا (4205 أمتار) فوق مستوى سطح البحر. ومع ذلك، عندما يُقاس الارتفاع من قاعدته في قاع المحيط، يصل إجمالي ارتفاعه إلى حوالي 33500 قدم (10210 أمتار)، مما يجعله أطول من جبل إيفرست بأكثر من 4465 قدمًا.
تكوين جبل ماونا كيا
يعد ماونا كيا بركانًا طبقيًا تكون من تدفقات الحمم البركانية المتعاقبة التي انبعثت من قاع المحيط. وقد تكوَّنت جزر هاواي، بما في ذلك ماونا كيا، نتيجة لتراكم الانفجارات البركانية عبر ملايين السنين. فمع تحرك صفيحة المحيط الهادئ، التي تعد إحدى الصفائح التكتونية الرئيسية للأرض، فوق بقعة ساخنة في قاع البحر، استمر تدفق الصخور المنصهرة من باطن الأرض وتكوَّنت العديد من البراكين، مكونةً سلسلة من الجبال تحت سطح المحيط.
إن الجبل ينمو طبقة تلو الأخرى مع كل ثوران، وهذا ما أضاف له المزيد من الارتفاع والكتلة. ويتميز ماونا كيا بجوانب عريضة ومنحدرة بلطف، مما يمنحه شكلاً مميزًا بين البراكين. وعلى الرغم من أن آخر ثوران له كان قبل نحو 4600 عام، فإن ماونا كيا لا يُعتبر منقرضًا بل يُصنف على أنه بركان خامد، مما يعني أنه قد يشهد نشاطًا بركانيًا جديدًا في المستقبل.
ماونا كيا وتفوقه على إيفرست
في حين أن جبل إيفرست يُعتبر أعلى قمة على سطح اليابسة، فإن ماونا كيا يُعتبر أعلى جبل في العالم عند قياسه من قاعدته تحت الماء. يبلغ ارتفاعه الإجمالي حوالي 33500 قدم، مما يمنحه ميزة استثنائية تجعله يتفوق على إيفرست من حيث الارتفاع الكلي. ويظل هذا الارتفاع الهائل لجبل ماونا كيا مصدر دهشة للكثيرين، إذ أن الجزء الأكبر من هذا الجبل العملاق مخفي تحت مياه المحيط الهادئ.
أهمية ماونا كيا
إلى جانب كونه معلمًا جيولوجيًا مدهشًا، يتميز جبل ماونا كيا بأهميته الثقافية والعلمية. في الثقافة الهاوائية، يُعتبر الجبل مكانًا مقدسًا ويُعد نقطة التقاء بين السماء والأرض، ولديه تاريخ طويل في الأساطير الهاوائية. كما يُستخدم الجبل لأغراض علمية بفضل ارتفاعه الكبير وصفاء الأجواء على قمته. توجد على قمته العديد من المراصد الفلكية التي تعد من بين الأفضل في العالم، حيث يُمكن للعلماء هناك مراقبة النجوم والكواكب بمستوى عالٍ من الدقة بفضل انخفاض مستوى التلوث الضوئي والظروف الجوية المثالية.
تحديات وحماية بيئة ماونا كيا
رغم القيمة العلمية والثقافية الكبيرة لماونا كيا، فإن بنائه للعديد من المراصد واجه اعتراضات من المجتمع المحلي في هاواي. يُعتبر هذا الجبل مقدسًا للسكان الأصليين، وقد دعوا إلى ضرورة الحفاظ على البيئة الطبيعية له وعدم التوسع في بناء المراصد على قمته. وقد قادت هذه الاحتجاجات إلى نقاشات حول كيفية الموازنة بين البحث العلمي واحترام الثقافة المحلية.
إن ماونا كيا هو ليس مجرد جبل بركاني خامد، بل رمز للطبيعة الجيولوجية المدهشة والثقافة العميقة، كما أنه نموذج يحتذى به للتوازن بين الاستخدام العلمي والحفاظ على الإرث الثقافي والبيئي. يظل هذا الجبل شاهدًا على قوة الطبيعة وقدرتها على تشكيل التضاريس، مما يلهمنا للاستمرار في استكشاف الأرض واكتشاف أسرارها العميقة، وتقدير العجائب الطبيعية المخفية التي تتفوق في عظمتها على ما نراه فوق سطح الأرض.
إرسال تعليق