التغير المناخي 2022 |
اليوم مشمس، بدرجة حرارة و رطوبة عاليتين، في إحدى مدن الشمال المغاربي، ليس في أواخر الربيع أو الصيف بل في جانفي يناير، هو أيضا ليس الوحيد؛ أشباهه من الأيام كثر على مدار الانقلاب الشتوي للسنوات الأخيرة، غالبا ما يكون الفارق الزمني بينه و بين الأيام الفصلية الباردة بسيطا لا يتعدى الثمان ساعات على الأكثر، ما يؤجج نسبة أمراض الحساسية الصدرية، الربو و الزكام المضاعف التي تحصد آلاف الأرواح سنويا إلى جانب Covid 19 المستجد
- كل هذا التقلب السريع بين سويعات الفصل و مظاهر الجفاف و الكوارث الطبيعية سببه التغير المناخي الناتج عن ارتفاع درجة حرارة الأرض و اتساع ثقب الأوزون في الطبقة السفلية للغلاف الجوي، الحامي للأرض من الأشعة الضارة للشمس و شظايا القطع الحجرية في الفضاء.
تغير فيه الإنسان هو المتسبب الرئيسي و المتضرر الأول:
منذ الثورة الصناعية
لم ينفك الإنسان عن نهب الطبيعة و استغلال ثرواتها، بل و إحداث خلل ايكولوجي بسبب نفاياته
و نفايات المصانع الملقاة في المساحات الخضراء و المائية، و التي لا تقتل الثروة البحرية
فقط، بل تسبب بكتيريا و فيروسات متحورة تقاوم تمر حتى عبر عملية تصفية المياه الشروب
لتقاوم التلقيح و تودي بحياة السكان كما ذكرته Oyama Gxalo
في بحثها حول خصائص بعض الكائنات المعزولة من مياه عذبة في مقاطعة
جنوب افريقية و التي تحوي مقاومة جينية للقاح و مضادات الكوليرا
Virulence and antibiotic resistance characteristics of
vibrio isolates from hardy environmental freshwater.
إضافة إلى الأدخنة
التي تتصاعد من المصانع رغم و المركبات و التي تلوث الجو و توسع من ثقب الأوزون، و بالتالي
ترفع من خطر الأشعة
الضارة و تزيد الحرارة عن معدلاتها الطبيعية.
سلطة المال...انعدام الضمير...الجهل:
فيما تشدد المنظمة
منظمة الصحة العالمية، و منظمات البيئة على ضرورة التزام قواعد تحمي البيئة في التصنيع،
لا نزال نجد غالب المصانع تتهرب من التصفية خاصة خارج أوروبا، إنها الإقطاعية العالمية
الحديثة، أين المال يعلو على القانون، كما أن غالب سكان العالم الثالث يرون أنفسهم
ليسوا بحاجة لميكانيكي و يستمرون في استعمال مركباتهم مع ترقيع ذاتي لبعض الأعطاب أيما
كان نوع الدخان المنبعث منها، كما و تتراكم في مدنهم مكبات النفايات الغير مصنفة و
لا الجاهزة للرسكلة، و التي لا تزال محدودة في بعض المواد في الوطن العربي كالحديد
و البلاستيك و الورق، دون متابعة ميدانية فعلية لهذا المجال.
هذا التلوث الذي
سببه الإنسان و أهدر اعتدال الكوكب و رفع من درجة حرارته، حل بكوارث طبيعية عليه، فيضانات
حرائق زلازل و حبات برد عملاقة حلت على الجميع بعدل و لم تترك لأي المجال للهروب على
اختلاف طبقاتهم المعيشية في المجتمع، كحرائق غابات ضفتي البحر الأبيض المتوسط، في أغسطس أوت صائقة و التي تبعت ارتفاع تاريخي غير
مسبوق لدرجة الحرارة فوق المعدل الفصلي.
و ما انجر عنه من
خسائر في الأرواح البشرية و الحيوانية، الممتلكات و العناصر الخضراء المثمرة.
تابعات حرائق غابات ضفتي المتوسط و بوابة الصحراء:
تعد غابات ولاية
خنشلة الجزائرية بمثابة رئة المنطقة و الحصن الأخضر في مواجهة زحف الرمال و التصحر،
بلهيبها و خسارتها زاد الحال سوءا، فعبثت حبيبات الرمل من جهة و انجرافات المياه الطوفانية
المفاجئة صيفا و خريفا من جهة ثانية بمراعي الأغنام التي تعتبر و الفلاحة المهنة الرئيسية
و الموسمية لسكان الوسط على ضفتي البحر المتوسط خاصة الدول العربية المطلة عليه، ما
أربك الفلاحين و العائلات، على المرعى و الألبان و المبيت، و انعكس ذلك على اشتعال
أسعار اللحوم بأنواعها، البيض و منتجات الألبان.
بالاتجاه شمالا لا
بد من توثيق الكارثة العالمية المهولة، بالتهاب غابات المتوسط الصائفة الماضية، و التي
أرسلت كمية هائلة من الأدخنة الضارة، كما سهلت ذوبان الثلوج في القطب الشمالي و إغراق
المناطق الشمالية، تهاطل ثلوج في مناطق لم تطالها من قبل في جمهورية مصر العربية كمحافظة الإسكندرية و زيادة الزوابع الصحراوية في الصحراء الكبرى
و عوائق لمحاولات الزراعة و الانتاج هناك و شح المياه.
التغير المناخي و جائحة كورونا:
منذ أن ظهر فيروس
كورونا المستجد أواخر عام 2019، و المصانع المتوقفة عن العمل، توقف التصنيع و التلوث من جهة لكن تسرح العمال من جهة أخرى، قد يكون هناك
تراجع في مسببات التلوث و الموت الرجعي اللامباشر، لكن هناك مجاعة حقيقية بتسريح الآلاف،
توقيف النقل الذي يمكنهم من العودة لديار الوطن، منع أي حلول بعيدة .
سماسرة الأكسجين:
مع تعاظم ظاهرة الاختناق بسبب كورونا أو الاحتباس
الجوي لدى الكثير من البشر، ظهرت ذروتها في صيف 2021, لاحت في الأفق أزمة الأكسجين،
و الذي تعرض هو الآخر المضاربات و المساومة، و احتكر في مشهد يرسم وصمة على في جبين
الإنسانية.
الإصلاحات و المقترحات العالمية:
إلى جانب اقتراح
العلماء لاعتماد الطاقات البديلة(الهوائية، الشمسية، التدوير، تحلية المياه، الغاز
الصخري، الطاقة الخضراء ...إلخ) للتخفيف من تضرر المناخ و بالتالي تضرر الكائنات الحية،
و صحة الإنسان و هلاكه، أوردت منظمة الصحة العالمية عشر بنود في مؤتمرها الأخير المنعقد
في 11 أكتوبر تشرين الأول 2021 بجنيف، في رسالة مفتوحة تصف المناخ الصحي الذي يجب على
البشر الوصول و المحافظة عليه بعد جلاء الحائحو يرتكز على نظم صحية جيدة، كوادر كفوءة،
نظام غذائي سليم، طرق نقل صحية، تصنيع و توسع عمراني محافظ على البيئة..
عسر الحلول.. مصير مجهول:
تبقى التوصيات و
الاقتراحات بعيدة المنال، خاصة في الوطن العربي و العالم الثالث، و التي من الصعب فيها
إقناع غالب أفراد الشعب من الطبقة البسيطة و التي تواجه غلاء فاحش في المعيشة..باقتناء
لوحات شمسية لإنتاج كهرباء، أو استعمال دراجة في فصول متقلبة قد يعجز حتى عن شراءها،
و هو مقتنع أنه المتضرر في كل الحالات و لن يؤثر التزامه مقارنة بعدم التزام أصحاب
المصانع و النقود.
بين هذا و ذاك يبقى
التغير المناخي مشكلة العصر، القاتل المباشر و اللامباشر كتسببه في الجوع الذي يعتبر
سبب نصف الحروب حسب علماء الاجتماع.