ترجمته:
هو بشر بن
الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي نسبة إلى مرو، و هي مدينة تقع ضواحي تركمانستان
التابعة سابقا لبلاد فارس العريقة.
مرو - تركمانستان
تعني كلمة "مرو" في اللغة الفارسية "المرج"، و قد وصل الاسلام إليها في عهد الخليفة الثالث الصحابي الجليل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث فتحت على يد القائد التميمي الحليم الأحنف بن قيس.
المعالم السياسية لفترة ولادته:
تبعا لهاته المعطيات أسلم جد بشر بن الحارث على يد ابن عم رسول الله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، و سكن بغداد في عهد الدولة العباسية.
بغداد عاصمة الدولة العباسية
عصره:
كان بشر بن الحارث أحد أمراء مدينة البصرة العراقية في عهد الخلافة العباسية، إبان عصرها الذهبي و توهجها و تقدمها العلمي و الاقتصادي حيث اتحدت من بغداد عاصمة لها ...أين انتشر البذخ و الترف، فكان له قصر إمارة تقام فيه الحفلات على أهازيج المغنيات و الطبول و الخمور، و كان قويا متسلطا ينعته البعض بقاطع الطريق.
ازدراء المظاهر صفة ناقصي العقول:
ذات ليلة بينما كان الصخب و الطرب ينبعث من قصر الأمير بشر بن الحارث، دق الباب أحد الصالحين من آل بيت النبوة سائلا الجارية التي فتحت له: "أحر صاحب هذا البيت أم عبد؟" حكمت الجارية بازدراء على السائل لما رأت عليه ثيابا رثة و مما وصف سيدها، فقالت في عجالة بل حر و أمير فقال:"فقال فعلا لو كان عبدا ما فعل هذا" و مضى و هي تغلق الباب.
ليالي الطرب و المجون في العهد العباسي
رجاحة العقل..صفة خَلقية ثابتة أيما كان حال العبد:
سأل بشر الدارية
عن الطارق، فروت الحوار الذي دار بينها و بين الرجل عند الباب، و لرجاحة عقله تفطن
بشر إلى المقصود، و فهم المغزى في العبارة و راح يقيس بإدراكه حكمة قائلها،فبدل أن
يغضب لنفسه و يرسل لعقاب المحدث أو تسفيهه، هب مسرعا و حافيا يقتفي أثره حتى وجده.
ثبات الصادقين:
أعاد الرجل الصالح
على مسامع الأمير بشر بن الحارث ما قاله للجارية، و لم يهاب بطشه و لم يزحزحه جبروته،
رجح بشر عقله على عزة نفسه و عنفوانه، فأخبر الرجل متداركا أمره بل عبد، عبد من الآن
فصاعدا، و أزاح عنه رداء الإمارة و أبهة السلطان ليلحق بركب الصالحين.
دحضه للرياء و الورع أمام أعين الناس:
بقي بشر بعد توبته
بتذكير من الله تعالى و سبب قول الرجل الصادق يجاهد نفسه، كي تحيد عن الشهوات و تزهد
في الدنيا، فلم يرد أن يعلن و يعلم به الناي و عرف عنه قول في ذلك جين قال:"لا
يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس"، و هذا الخطأ الذي يتصيد به الشيطان
بعض التائبين حيث يجابهون بثوبتهم المعلنة جموع المتملقين، المعارضين و المغريين بالعودة،
العجب و الرياء.
على اسم الله فأعلى
اسمه:
بالعودة لأصله من
"مرو" المرج فهو على عكس المرعى
يبقى صافيا عصيا على تدنيس أقدام الماشية، هكذا لاذ أصل بشر عن اسم الله الذي صادفه،
في كاغدة مرمي على قارعة الطريق و قد وطأته الأقدام،فما كان منه سوى أن يدفع ما حواه
جيبه من دراهم (حددها بعض الرواة في درهم وحيد) فطيبها و علقها في مكان بعيدا عن أي
موطأ، قد زهد بشر في ديناره الأخير فطيب الله تعالى اسمه، و الله غني عن العالمين،
كما زهد في حذائه كي لا يوضع في خانة المرحين المتعالين في الأرض، فهو يبتعد عن التصبغ
بصفاتهم قدر الإمكان، حيث ترك لبس النعال منذ أن ساءه سماع جواب الاسكافي عن سؤله عن
ثمن التصليح.
المؤمن طيب فطن:
يخطئ كثير من المسلمين، الراغبين في الالتزام بين الطيبة و السذاجة، فيسمحوا لأنفسهم أن يستغبوا و يكونوا محط استغلال، رغم أن الدين يرفض مثل هاته التصرفات بشدة، حيث يقول الله تعالى:"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم" و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم:"لست بالخب و لا الخب يخدعني"، أي لا ضرر و لا ضرار في العلاقات الاجتماعية، و هذا ما أورده بشر الحافي في قوله:
" لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك، وكيف يكون
فيك خير وأنت لا يأمنك صديقك؟! ".
التأويب و احتساب
الحزن تهذيبا للمسلم:
إن أول ما كان ينتهجه التابعون و أتباعهم الزاهدون في الدنيا، هو نهج الأنبياء و الصالحين، فكان حال بشر في الأقراح حال تأويب و احتساب لله تعالى، فهولم يتخد في رحلة زهده خليلة، حسب ما ذكره الإمام أحمد يوم بلغه خبر موته حيث قال: لم يكن له نظير في زمنه سوى عامر بن عبد قيس، ولو تزوَّج لتم أمره، لكنه كان يملك ثلاثة أخوات رزقهم الله الورع و الزهد و الالتزام، كانت أكبرهن الأقرب لقلبه فلما ماتت، تملك الحزن قلبه و طفق يحاسب نفسه رغم حرصه، فقال: إن المرء إذا عصا الله سلبه أنيسه و هذه كانت أنيستي في الدنيا.
رجل علم و عقل:
ذهب الرجال المرتجى
لفعالهم