الشيخ إمام والعم نجم.. صداقة حاكت من الفن أروعه


الشيخ امام ونجم
الشيخ امام ونجم


كتبت - عائشة مفتاح

"كان صوتي وكنت عينيه" كانت تلك هي صداقة الفاجومي بالشيخ إمام، والتي أراها في نظري من أعمق وأصدق -وأنبل- علاقات الصداقة التي مرت على تاريخ الفن، امتد صدقها بامتداد عراقة الفن الذي خلّدته؛ حتى أنها مازالت حاضرة في ذاكرة شباب هذا العصر، مازالت عالقة في ذاكرة التاريخ.


بداية الصداقة..


في الأساس كانت بداية تعارف إمام والفاجومي في الستينيات، في نفس توقيت مولد أول تعاون فني بينهما "أنا أتوب عن حبك" وقد حكى العم فؤاد نجم في ديوانه الثالث "كلب الست" أنه سنة ١٩٦٢ كانت فيه سهرة في بيت الشيخ سعد الموجي وكان في بداية تعارفه بالشيخ إمام، وقال: "أنا كنت قبلها بحوالي أسبوع إديت كلام للشيخ إمام يلحنه، يبدو انه كان معصلج حبتين"، فرد الشيخ إمام بلهجة إعتذار وقال: "معلش أنا كسلان وحش"، فرد نجم: "العفو يا مولانا.. الكلام هو اللي وحش.. قطّعه وارميه وأنا اكتبلك غيره"، وقتها أحضر الموجي بعض الأوراق المسطرة وقلم للعم نجم؛ «وفي ظرف ساعة زمان كانت العبيطة اتولدت كلام ولحن وفضلنا طول الليل نغني».


شاعت ثنائية نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحفيون تحديدًا بعد أغنية: "أنا أتوب عن حبك أنا؟"، ومن بعدها "عشق الصبايا"، و"ساعة العصاري"، وقد اتسعت الشركة فضمت عازف الإيقاع محمد علي، فكان ثالث ثلاثة كونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء ساهم فيها العديد لم تقتصر على أشعار نجم فغنت لمجموعة من شعراء عصرها أمثال: فؤاد قاعود، سيد حجاب، نجيب سرور، توفيق زياد، نجيب شهاب الدين، زين العابدين فؤاد، آدم فتحي، وفرغلي العربي، وغيرهم.


امام ونجم صداقة وفن
امام ونجم صداقة وفن

إيقاعات من وراء الأسوار..


هي صداقة عاشت صانعة لأنوار الفن حتى في أشد اللحظات ظلمة وقسوة، حتى لو من وراء أسوار السجن.. في تاريخ الفاجومي والشيخ إمام الكثير من الأعمال التي كُتبت ولُحِنت بل وغُنيت أيضًا في غياهب السجون، من أشهرها كانت "الورد اللي فتّح في جناين مصر" ويحكى في هذه الغنوة أنها كُتبت حين سمع العم نجم حين صباح صوت آتٍ من خارج زنزانته مناديًا باسمه، ليعرف الفاجومي أن ذلك الصوت لشاب في المرحلة الثانوية تم القبض عليه في إطار مشاركته في إحدى المظاهرات المعترضة على نظام الحكم حينها، ليكتب حينها العم نجم؛ بعد سب العسكري القابض على الشاب؛ "صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر" ويُلحنها الشيخ إمام وتعلو إيقاعاتها خارج جدران المحبس الذي ضمهما وضم معهما أعظم صور الفن. 


توفى الشيخ إمام في عام 1995 مخلفًا وراءه أعمال كاد كل من سمعها أن يجزم بأنها أنقى ما مر على مسمعه، تاركًا وراءه صداقة خُلدت في أدمغة التاريخ وتفاخر بها كل من شهدها، تاركًا وراءه العم نجم ومعه الكثير من الكلمات والقضايا التي لم تقفل. ومن المواقف التي لازال يذكرها الناس لهما في عام 2011م تحديدًا بعد سقوط نظام الحكم ونجاح الثورة؛ وقف العم نجم؛ وقيل أنه كان في إحدى مقاهي وسط البلد؛ رافعًا رأسه إلى السماء وكأنه يرى طيف إمام فوق دماغه ويقول: "شفت يا إمام.. حد يموت قبل ما يشوف لحظة زي دي يا إمام يا حمار!!".


قد تكون هي أعظم مثال عن الصداقة، تخيل شخص قال عن صديقه أنه كان صوته الذي يشدو به، والآخر كان عينيه الذي يرى بها العالم!! في الحقيقة لا أستطيع إخفاء تلك الحالة التي تصيبني من الحب والنشوى كلما سمعت غنوة من أغنيات إمام أو قرأت عن الفاجومي أو له، ولا أستطيع أن أخفي أمنياتي المتوالدة في العودة بالزمن وقضاء يومًا بين هذان الرائعان، فنضحك وننتشي ونلعن النظام ويُسلطننا الشيخ إمام بأوتار عوده العازفة وكلمات العم نجم الهائمة "هنغني ودايمًا وهنغني .. ونبشر بالخير ونمنّي".

أحدث أقدم