قرار مصيري

 

يمضي في طريقه


 

بقلم – قعلول شهرزاد

 

استيقظت نشيطة على غير عادتها، استنشقت عطر الصباح، صباح يوم ممطر وغائم بشدة، صوت الرعد ملأ المكان، لم تهتم لكل ذلك... فقط جهزت نفسها، وارتدت معطفها الأسود كالظلمة التي تسكن روحها، فرماد قلبها لم يهدأ بعد، لازال قرارها الذي اتخذته ليلة البارحة غير مستقر، لكنها ستواجه، ستتغلب على مواجعها، ستضع لها حدا...

 

خرجت مسرعة غير مبالية لقطرات المطر أو ربما لم تعرها أي اهتمام، لم تكن تشعر بما حولها، ذلك البريق بلمعة الحزن والتحدي الذي يسكن عيناها وحده يخبرك أنها متمردة، طيبة لأبعد الحدود لكنها قاسية جدا... لحسن حظها أن الحافلة لم تتأخر، لكن مهلا لم تصعد، بل غيرت مجرى الطريق... فضلت المشي تحت الغيث، بالرغم من أن المسافة طويلة نوعا ما... ستكون أقوى، هاته العبارة التي كانت ترددها في سرها، لم تجرأ على تذكر الماضي لأنها حتما ستتعثر في أمواجه، ستسقط في منعرجاته، لذا تركته، محاولة إبعاده من مخطط حياتها للأبد...

 

في كل خطوة كانت تقترب من عين المكان، تزداد دقات قلبها بسرعة موشكة على التوقف... مسحت تلك الدمعة الضئيلة الحارة التي سقطت على وجنتيها الورديتين، و تقدمت بهدوء غير اعتيادي، انقلبت نظرتها إلى القوة، تمعنت جيدا في المكان الذي يجلس فيه، كعادته في آخر طاولة، منعزل يتمتع بقهوته و يقرأ آخر إصدار لكتاباتها... ينتظرها ليسمع اعتذاراتها عن تأخرها أو اهمالها، أو ربما ليفتعل مشكلا تافها ككل مرة... نظر إلى ساعته، وضع ذلك الكتاب فوق الطاولة، ارتشف القليل من قهوته ليتفاجأ بها تقابله، نظر مطولا لعينيها، فاكتشف أنها مختلفة عن سابقها، ابتسم في سره و خالها حالة مزاجية فقط...

_تفضلي.

_شكرا، لا يوجد داعي لذلك...

استغرب كلماتها، حتى برودها كان صدمة بالنسبة له، اكملت حديثها:_ إلى هنا و ينتهي كل شيء، لكل منا طريق مختلف، دعنا لا نضيع أكثر مما قد مر... اتسعت عيناه من الدهشة:_ كيف ذلك؟؟

_ لا تسأل، ستجد كل أجوبتك هنا... وضعت أمامه روايتها التي زينتها بأجمل العبارات و أهدتها أعمق الأحاسيس لشغفها بالكتابة...

_ انتبه لنفسك، إلى اللقاء...

 

استدارت لتكمل طريقها ماسحة بخفة تلك الدمعة مرة أخرى... اتجهت نحو الباب تحت نظراته الحائرة من تصرفاتها المجنونة... لم يجرأ على اللحاق بها لأنه يعلم حدودها، تذكر يوما ما حين أخبرته " سامحتك ككل مرة، لكن احذر لأنني إن رحلت لن أعود..."

 

دخل في دوامة أفكاره: كيف، متى، هي لا تستطيع العيش من دوني، تكره حقيقة ابتعادي عنها، لكن ماذا حدث لها، فقدت عقلها بالتأكيد ستعود، ربما ما كان إلا تصرف طائش من أعمالها الدرامية...

 

حمل روايته مبتسما، في كل مرة تبهره بتقدمها وإبداعها، ورحل هو الآخر، لا يعلم أي طريق يسلك.

 

أما عنها، تمشي بكل فخر، إلا أن المطر أبت أن تتوقف وكأنها تبكي من أجلها، لأن دموعها جفت، لكن حمما كانت تغلي في شرايينها، لا تعلم لما فعلت، أو بأي جرأة أو حق... طردت تلك الأفكار متوجهة نحو بيتها بحب تنتظر وصولها لتنعم بسريرها الدافئ...

أحدث أقدم