الزواج المبكر.. آفة الأرياف الأزلية والسبيل للطلاق المبكر

 


 

كتبت – أسماء خيري

 

مع تنامى الانتشار الغير مسبوق لظاهرة الطلاق في المجتمع المصري، الأمر الذي أدى إلى طرح التساؤلات والتأويلات حول أسباب انتشار هذه الظاهرة، وطفو أسباب ومبررات "مستحدثة" للطلاق على السطح، مثل الماديات من قائمة ومهر، أو واجبات الزوجين ومدى وفاء كل منهما بالتزاماته.

 

وبطبيعة الحال فسر كثير من الأشخاص الظاهرة من وجهة أنظارهم الخاصة، فيما تبنِّى البعض الآخر آراء أكثر واقعية.

 

من منظوري الخاص أرى سببا لهذه الظاهرة واعتبره السبب الأبرز لظاهرة الطلاق في مجتمعي الريفي تحديداً وهو سبب ليس يطرح للمرة الاولى.. وهو الزواج المبكر

 

في مساحتي الريفية لا يعد الزواج في سن المراهقة امراً غريباً أو مستبعداً ابدًا بل هو مستحسن في أحيان كثيرة، والأسباب لذلك كثيرة.. ربما من أبرزها المستوى المادي الضعيف للعائلة والذي يجعل من تزويج الفتاة فى سن صغيرة خلاصاً من مسؤولياتها وتخفيفاً عن الأعباء..

 

كذلك المعتقدات الراسخة ومبدأ "ذلك ما وجدنا عليه آباءنا" المنتشر حتى الآن فى الأوساط الريفية، والذى يقتضى تزويج الفتيات في سن مبكر أو لأسباب أسرية يطمح من خلالها الوالدَين بالاحتفاء بأبنائهم وإقامة زفاف لائق على شرف العائلة الكبيرة أو حتى العائلة المتواضعة التي تشتاق للفرحة مهما كان الثمن.

 

يطول شرح الأسباب التي تدفع الآباء في المجتمعات الريفية وغير الريفية إلى تزويج أولادهم في سن مبكرة.. ولكن السؤال الابرز ما هي تداعيات الزواج المبكر على منظومة الزواج والحياة الزوجية فيما بعد؟!

 

الأمر بالنسبة لي يعد أشبه بالصدمة.. صدمة القفز من مرحلة الى مرحلة اخرى مختلفة تماما مرحلة عامرة بالتحديات والمسؤوليات التي تفاجئ الطرفين يوماً بعد الآخر.

 

صدمة طبيعية ناتجة عن انعدام الخبرات الحياتية والوعي بمنظومة الزواج، وفى مرحلة عمرية هي الأخطر والأكثر حرجاً من مراحل عمر الإنسان "فترة المراهقة" يصبح الأمر أكثر صعوبة!

 

المرحلة التي تعرف بالتقلبات المزاجية والتغيرات الهرمونية التي تؤثر بدورها على السلوك والتصرف ما يجعل من قرارا كالزواج في تلك المرحلة مسؤولية ليست بالهينة ابداً.

 

تسعد الفتاة بخاتم الخطبة وباحتفاء المحيطين بها وتترقب شوقا يوم الزفاف وارتداء الفستان الأبيض، مع مزيد من خيالات وردية أخرى تداعب عقلها الصغير دون استيعاب لما هي مقبلة عليه.

 

وفى موضوعي هذا لا أخص الفتيات فقط بالذكر، فالظاهرة تشمل الذكور أيضاً، ولكن للفتيات نصيب أكبر، فاحتمالية ان تتزوج الفتاة المراهقة بشاب بالغ يكبرها بثمانية او عشرة أعوام أكبر من احتمالية زواجها من فتىً يافع في الثامنة عشر، وفى الحالتين هناك طرف أو طرفين ليس مؤهلاً للأمر..

 

أتذكر صديقتي التي فور ما أنهت المرحلة الاعدادية تزوجت من ابن عمها الذي كان مقدر زواجها به منذ الطفولة وما لبث أن انتهى الزواج نهاية مأساوية، فبعد إجهاض متكرر ألحق الضرر بصحتها، ثم حمل اخيرا بعد ضغوطات من الاهل والمحيطين نتج عنه إنجاب طفل لم يساهم إنجابه في تحسين حياتها الزوجية مع زوجها الذي زاد تواجده خارج المنزل مع اصدقاءه أكثر من وجوده بداخله، وعدم قيامه بدوره كأب نحو الطفل، إضافةً إلى نفوره من زوجته الناتج عن اعياءها المتكرر ونشوب الشجارات في وقت مبكر من عمر الزواج تعرضت للضرب في أغلبها.

 

انتهى الامر بتلك الصديقة بأن حصلت على الطلاق بعد أقل من عامين من زواجها، ومكثت في منزل والدها منكسة الرأس معظم الأوقات تشعر بالخزي رافضةً رفضاً قاطعا تكرار تلك التجربة..

 

انتهى الامر بفتاة في السابعة عشر.. مطلقة.. مشوهة من الداخل والخارج.. تتجرع مرارة نظرات الاخرين المشفقة بصمت.. وبالطبع لديها طفل!

 

ما يثير استغرابي من تلك الظاهرة هو أنه رغم التطور العصري والتكنولوجي الذي نعيشه لم تندثر، أو على الاقل بالشكل المتوقع.. ربما تنحسر الظاهرة في الحضر، ولكنها مازالت حاضرة وبقوة في المجتمعات الريفية..


الزواج المبكر ليس سبباً فقط لزيادة معدلات الطلاق ولكنه سبب رئيسي أيضاً من أسباب مشكلة الزيادة السكانية، فلا عجب ابدًا من رؤية فتاة في العشرين من عمرها تستعد لاستقبال مولودها الثالث!

 

ألا يدعونا ما سبق للتساؤل عن دور الدولة والمجتمع المدني في مواجهة تلك الظاهرة؟!

 

بل والتقرير بأنه لا توجد حلول ذات فعالية كافية بشأنها؟! رغم أن قضية الزواج المبكر وكما اسلفت في المقال ليست بقضية حديثة الطرح ابدًا!

أحدث أقدم